لو جِــئتِـــه عصر يومٍ وهو متكئ

Ad

في المنحنى ممعنٌ في الفكرِ إمعانـاً

لارتَبتِ في عقلـــهِ لولا تأملهُ

ثم انقلبتِ وقد أفعمتِ أحزانَـاً!

حسين سرحان

لم نكن نتمنى أو نتوقع على أقل تقدير أن ينتهي معرض الرياض للكتاب إلى ما انتهى إليه من جولات تفتيش لـ»رجال الحسبة»، ومضايقات للزوار والإعلاميين، خصوصا الوجوه النسائية منهم.

ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخراً، وهو الخبر المفاجئ بعض الشيء، إذ إنه في السنوات الثلاث الأخيرة كانت تصلنا أخبار سارة عن هذا المعرض الذي ينتعش فيه سوق الكتاب، وتتخطى روايات وكتب نقدية قائمة الأكثر مبيعاً، بل ان بعض دور النشر يجد في هذا المعرض فرصة سانحة لتعويض خساراته عن أشهر سابقة.

وفي هذه السنة تحديدا كان الناشرون يأملون خيرا من معرض الرياض، في مسعاهم لتعويض الخسائر الناجمة عن مظاهرات ميدان التحرير، وتأجيل معرض القاهرة، بل ان كثيرا منهم يصرح لوسائل الإعلام بأن معرض الرياض بات أكبر سوق للكتاب في المنطقة العربية، فدور النشر الذكية في اختياراتها غالبا ما تنتهي إلى أرفف خالية في الأيام الأخيرة بمعنى نفاد قائمة الكتب المعروضة عن بكرة أبيها.

وللموضوعية نقول، إن حادثة «الحسبة» تلك وما تناقلته وسائل الإعلام ليست كل شيء، إذ لم ينجح هؤلاء «»المحتسبون» من الشباب المندفعين من إيقاف عجلة البيع والتسويق، فبعض دور النشر تحدث عن مبيعات عالية لروايات أحلام مستغانمي، ومؤلفات أخرى لروائيات سعوديات، كزينب حفني وغيرها، وكذلك تواردت أخبار عن نفاد ديوان إبي القاسم الشابي، ومبيعات عالية للسعودي عبدالله الغذامي، والفلسطيني الراحل إدوارد سعيد.

مفتي عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، كان حاسما في هذه المسألة، إذ وجه لوما أشبه بالتنديد لهؤلاء الشباب الذين تصرفوا بـ»غوغائية» بحسب وصفه، وحذر من الحماس والاندفاع من دون مرجعية علمية واضحة، بل ان رجال الهيئة المعروفين بتشددهم نفوا أي علاقة لهم بهؤلاء المحتسبين، فمن أين جاؤوا؟

بحسب هؤلاء الشباب يجب ألا يختلط النساء بالرجال في أروقة المعرض، وكذلك تتوقف الإعلاميات عن التغطية أو إجراء حوار من الرجال، ويسري الأمر على الندوات ووسائل الإعلام التي تستضيف مفكرين «علمانيين أو ليبراليين بحسب رأيهم، ونتساءل هنا ماذا بقي للمشهد الثقافي إذن».

ينظر إلى معرض الرياض باعتباره حدثا ثقافيا عربيا يؤمّل منه الكثير، فقد أثبتت الإحصاءات ظهور طبقة جديدة قارئة وعاشقة للكتاب، الأمر الذي نفتقده كثيراً في الأوطان العربية، والمعرض كذلك لا ينفصل عن زخم الحياة الثقافية والخلفية التاريخية للبيئة السعودية، فنحن حين نتحدث عن الأدب في المملكة نستذكر الأسماء الكبيرة مثل: حمزة شحاتة، محمد حسن عواد، طاهر زمخشري، حسين سرحان، وعبدالقدوس الأنصاري. اللافت أن هذه الأسماء التي برزت أوائل القرن العشرين، وعُدّت علامة بارزة في أدب النهضة، تنتمي جغرافيا إلى منطقة الحجاز (مكة المكرمة، المدينة المنورة، والطائف)، في حين أن معرض الكتاب يُعقد في مدينة الرياض، قلب الجزيرة العربية. فهل من استنتاجات معينة تنطلق من دلالة المكان؟ يصعب أن نجزم بشيء، لأن في الرياض أدباء وكتابا لهم حضورهم كذلك.