عادت إضرابات العمالة الهامشية الفقيرة التي يقوم بها العمال البسطاء من أجل المطالبة بحصولهم على حقوقهم الإنسانية البسيطة، وبالذات انتظام دفع مرتباتهم الشهرية التي تمتنع الشركات الظالمة عن دفعها لهم أشهرا طويلة، مع أن ذلك مخالف لقانون العمل، علاوة على أنه يعتبر عملا غير إنساني وغير أخلاقي أيضا.

Ad

عادت الإضرابات بعد توقف لفترة من الزمن انتظاراً لما ستسفر عنه الوعود الحكومية الكثيرة التي أطلقت غير مرة من قبل، وبالذات قبل عامين عندما تحولت الإضرابات العمالية إلى أعمال شغب في منطقة جليب الشيوخ، إذ وعدت الحكومة آنذاك بمعالجة جذرية لهذه المشكلة التي تتجدد وتكبر عاما بعد آخر، لكن يبدو أن الوعود الحكومية قد ذهبت أدراج الرياح، والدليل على ذلك تجدد الإضرابات العمالية في أكثر من مكان للأسباب ذاتها، مع احتمال تحولها إلى أعمال شغب شبيهة بتلك التي حدثت قبل عامين.

لقد توقعنا حينذاك أن تتجدد إضرابات العمالة الهامشية للمطالبة بحقوقها وذلك لسبب بسيط جدا وهو معرفتنا بأن المشكلة لن تحل من جذورها، إذ إن الحكومة عودتنا على أنها تعتمد دائما على سياسة ردة الفعل بدلا من الفعل، لذا فإنها تركز دائما على معالجة بعض مظاهر المشاكل العامة التي تتفجر فجأة أو تتعامل مع آثار القضايا العامة ونتائجها وتداعياتها بدلا من البحث في أصل المشكلة الرئيسة التي تتطلب، في حالتنا هذه، القيام بمعالجة جذرية للتركيبة السكانية المختلة التي لا بد أن تشمل ضمن مكوناتها الرئيسة سياسة الحكومة المتعلقة باستقدام واستخدام العمالة الهامشية.

 لقد تعاملت الحكومة مع إضرابات العمالة الهامشية آنذاك تعاملا أمنيا فقط، ثم أغلقت الموضوع، على ما يبدو، باعتبار أن القضية قد حلت متجاهلة بذلك الأسباب الرئيسة التي أدت إلى الإضرابات وأعمال الشغب التي نراها تعود من جديد هذه الأيام.

وكما قلنا من قبل فإن الممارسة الفعلية قد أثبتت أن السياسة الحكومية الحالية المتعلقة باستقدام واستخدام العمالة الوافدة بشكل عام والعمالة الهامشية بشكل خاص قد فشلت فشلا ذريعا، لذا فإنه من الضرورة بمكان إعادة رسم سياسة عامة جديدة تعالج الاختلالات الهيكلية في التركيبة السكانية، وتأخذ في الاعتبار الحاجة التنموية الفعلية إلى هذه الأعداد البشرية الضخمة من العمالة الأجنبية الهامشية التي تحمل ثقافات ولغات وعادات وسلوكيات وأخلاقيات متنوعة، وما يترتب على وجودها بهذه الكثافة العددية من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وأخلاقية، لاسيما أن الإطار العام لخطة التنمية الذي أرفق مع القانون رقم 9 لعام 2010  ينص على تعديل التركيبة السكانية.

فهل سنرى، يا ترى، تغييرا جذريا في السياسة الحكومية يتماشى مع ما ورد في الإطار العام للخطة التنموية بخصوص تعديل التركيبة السكانية أم أننا سنبقى "على طمام المرحوم"، ما يعني أنه ممنوع الاقتراب قطعيا من تجار الإقامات المتنفذين؟