مقتل إنسان تحت قبضة رجال الأمن ليس شأناً سياسياً، ولا ينبغي له أن يكون كذلك، بل إن أخطر جانب في التعامل مع مقتل محمد المطيري - رحمه الله - أن تتحول القضية إلى كرة يتقاذفها السياسيون، ومن ثم يتعاملون معها كتكملة للأزمة السياسية الراهنة.

هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها تعذيب مفرط يفضي إلى الموت، ربما كان أشهر تلك الحوادث وفاة عامر خليف العنزي سنة 2005 بمبررات الضلوع في الإرهاب.

Ad

فعندما يغض المجتمع النظر عن انتهاك كرامة إنسان، ويجد في ذلك الأسباب والمبررات، بل ويشد على أيدي رجال الأمن فيعطيهم الضوء الأخضر لاستمراء الاعتداء دون حسيب أو رقيب فإن الانتهاكات تتحول إلى حالة ذهنية.

هي أمور مكررة إذاً، فعندما يشعر رجل الأمن بأن لا رقابة عليه، ولا محاسبة، وأنه باسم حماية المجتمع يملك صلاحية انتهاك كرامات الناس فليترقب المجتمع الكوارث الإنسانية، وعندما يقف المجتمع مصفقاً لضرب فئة فإنه يصفق لدمار المجتمع.

إن الذي قتل محمد المطيري هو المجتمع الذي يسمح ويشجع على انتهاك حقوق الإنسان لفئات أخرى، والنائب الذي يدعو إلى ضرب المخالفين لرأيه، والكاتب الذي يفرح بكسر رأس المعارض له، وأجهزة الإعلام التي ترى الهيبة في استخدام القوة والعنف، والمجتمع الذي لا يرى مشكلة في مقتل إنسان فقير أجنبي.

استقالة وزير الداخلية هي خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي الحد الأدنى المقبول لتجاوز الأزمة، إلا أن المطلوب هو خطوات عملية حتى لا تضيع دماء الناس في زحمة السياسة. وأولى تلك الخطوات هي إعلان الحكومة اعتذاراً صريحاً وعلنياً وتأبيناً واضحاً لمن قتلته، والمضي دون تردد في إجراءات التقاضي وتحديد المسؤولية الجنائية بكل وضوح.

كل هذا لا يكفي، فهناك حاجة أصبحت ملحة للبدء ببرنامج عمل يحمي البشر وكراماتهم، أولى خطواته نقل إدارة الطب الشرعي من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل أو النيابة، والخطوة الثانية تتمثل في رفع الكويت تحفظاتها الثلاثة عن اتفاقية مناهضة التعذيب، كما تصادق على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية دون تردد أو تسويف. أما الخطوة الثالثة فتتمثل في وضع برنامج لضمان حقوق المحتجزين لدى أجهزة الأمن من خلال ضمان شفافيتها، والرابعة تفعيل برنامج تدريبي لرجال الأمن حول التعذيب والتزاماتهم تجاه القانون والدستور. والحق يقال بأن هناك العديد من رجال الأمن الذين يلتزمون بالمبادئ الإنسانية بدقة، ولكنهم يضيعون في وسط زحمة الفوضى والاستهتار والتهور.

أما إن لم نبدأ بتطبيق برنامج إصلاحي بأسرع وقت ممكن وإن استمر التركيز على الجريمة التي ارتكبت بحق مواطن بمنظور سياسي، فإنها ستتكرر مرة أخرى، فمن هو يا ترى الضحية القادمة؟

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة