أوضاع عربية... بحاجة إلى معالجات خاصة

نشر في 24-02-2011
آخر تحديث 24-02-2011 | 00:00
 أ. د. محمد جابر الأنصاري التعميم غير مأمون علمياً وموضوعياً، وإذا ما حدثت ثورات في بلدان عربية هي بحاجة فعلية إلى ذلك، فلا يعني أن هذا الحدث يمكن تعميمه على كل البلدان العربية، وعلينا قبل كل شيء أن ننتظر لنرى مآل الثورات التي «انتصرت»، وما «البدائل» التي جاءت بها؟!

ثمّ– وهو الأهم– ما الظروف الموضوعية المحيطة بـ»محاولات» كهذه؟ وما الثمن الذي يتحتم دفعه من حياة الأوطان– بشرياً واقتصادياً– لتحقيق ذلك؟ أو كما قالت صحيفة «الأنوار» اللبنانية، وأعادت نشره صحيفة «الأيام» البحرينية بتاريخ 19/2/2011: «هل صار استسهال الثورات إلى هذا الحد، حيث كلما وجهت دعوة على «الفيسبوك» تندلع ثورة؟». لو صح هذا الأمر، لكانت دول الكرة الأرضية قاطبة في حالة ثورة، فما من بلد في العالم إلا لدى أبنائه ومواطنيه مطالب، منها ما هو سياسي... ومنها ما هو اجتماعي.

«بعض الدول، ولا سيما الغربية منها، تحتاج إلى ثورات لخفض «فائض الحرية» لديها، والذي تحوّل إلى أزمة أخلاقية يهدد تماسك العائلات والمجتمعات، وفي المقابل تحتاج بعض الدول إلى ثورات للتحسين، ولكن إذا اندلعت الثورة للثورة، على طريقة الفن للفن، فإن الدول والمجتمعات تدخل في المجهول الذي هو أسوأ النتائج». المغزى من هذا الكلام أنه لا يمكن استنساخ الثورات، لأن الدول والمجتمعات غير مستنسخة.

«ما ينطبق على تونس ومصر، لا ينطبق على البحرين مثلاً، فهذه المملكة التفتت إلى حقوق شعبها، وعرفت الاستقرار كثابتة من ثوابت النظام...». «... إن البحرين تنعم بدرجة متزايدة من حرية التعبير، ومن تحسن كبير في حقوق الإنسان».

يمكن للمرء أن يفهم– في دول جمهورية– قيام محاولات للتغيير في حالة استمرار حكام في السلطة لعقود طويلة، أما في حالة الأنظمة الملكية– شريطة التقيّد بأحكام معينة معلنة، كالدستور والقانون، أو الأحكام الأساسية، مع التطور المستمر في ظل الحريات العامة، وتقليص الفساد... إلخ– فإنه في مثل هذه الحالة يمكن العمل على التطوير والتحديث، بمختلف السبل، مقابل الاستماع والقبول بالتطلعات الشعبية الإصلاحية، واتخاذ ما يلزم لتنفيذها.

ومن التجارب التي نجح فيها التغيير، لم يتضح، بعد، طبيعة النظام الذي سيتحكم في المدى المنظور، وينبغي عدم استبعاد قيام دكتاتورية إيديولوجية ذات صفات محددة، بعد انتهاء «العرس الثوري!»... أو اكتشاف أن أجهزة النظام القديم قد عادت إلى السلطة، بعد أن تذهب «السكرة» وتعود «الفكرة»!

في وقت من الأوقات، وفي وقتنا هذا– فما أشبه الليلة بالبارحة– في ظل التراجعات والإحباطات التي تعانيها الأمة، ساد ويسود شعور عارم بضرورة «التغيير»، ولكن التجارب علمتنا، نحن الذين عاصرناها، أن شهاب الدين «أسوأ» من أخيه، وأن من يأتي أنحس من الذي قبله، ولابد من تطور وتقدم شامل قبل ذلك، «فكما تكونوا يولى عليكم»، كما قال الإمام علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.

هذا لا يعني أنه لا أمل في التغيير والإصلاح، لكن الأمر ليس بالسهولة التي يمكن تصورها، حقاً هناك أنظمة حكم لا يمكن الدفاع عنها غير أنه ثمة فوارق يمكن تبنيها بين أوضاع وأوضاع إذا حكمنا العقل والمنطق السليم، ولكن ذلك لا يمكن أن يقوم به «الشارع السياسي»، لابد أن نخباً من كل قطاعات الأمة، غير مسيسين قبل كل شيء، (ولا أعني المثقفين وحدهم، فذلك حديث يطول) يتصدون للقيام بهذه المهمة التقييمية لبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فإن عالمنا يتغير بسرعة، والتقنيات الجديدة في عالم الاتصال تزيد من هذه السرعة، والشباب يتأثرون، لكنهم يحتاجون إلى التجربة، ومن إيجابيات هذه الظاهرة أنه تم اكتشاف إيجابية شبابنا، بعد أن بقينا طويلاً نرثي لمستقبلنا في ضوء انطباعاتنا غير الدقيقة عنهم، إنهم أناس طيبون، مثلنا، ولابد أن نتفاعل معهم، ونعيد النظر في أحكامنا بشأنهم!

على صعيد آخر، صحيح أن الموقف العربي من التعنت الإسرائيلي بشأن عملية السلام ليس بالموقف المجدي، ولكن هل نحن متأكدون أن «هاجس التغيير» يمكن أن يؤدي– إذا تحقق– إلى موقف عربي مختلف؟

بعد نكبة 1948 ساد العالم العربي شعور عارم بضرورة تغيير الأنظمة التي «خانت» القضية الفلسطينية، وساد الترحيب بالانقلابات الثورية «العسكرية»... وبعد سنوات من التصفيق والهتاف ماذا كانت النتيجة؟ نأمل ألا تكون الحالة الراهنة كتلك الحالة!

لابد أن نعمل أولاً من أجل «التقدم» ومعالجة المعوقات الموروثة المترسبة في واقعنا والتي تعيقنا عن اتخاذ الخطوات الصحيحة تجاه أي وضع، فلابد مما ليس منه بد!

وما يدعو إلى التفاؤل أن الأغلبية من العرب صارت، سواء في حركاتها الاحتجاجية أو تعبيراتها الأخرى، تطالب بتحسين أوضاعها المعيشية ومكافحة الفساد في ظل الديمقراطية (وهذا حق)، ونأمل أن يكون في ذلك نمو للديمقراطية فعلاً، فالديمقراطية لا يمكن أن تأتي هكذا فجأة، ولابد أن تنمو بالتدريج... وعبر مراحل عدة.

ولإنجاز هذه المهمة فثمة مسؤولية مشتركة: أن يعمل من هم في السلطة على إنماء الطبقة المتوسطة التي تمثل عماد الديمقراطية، وأن يهتم من هم في الجانب الآخر بتنمية الوعي الفكري لدى الأغلبية من الناس فلعل وعسى!

* مفكر من البحرين

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top