من يقرأ التاريخ وقيام الحضارات سيجد للوطن العربي نصيب الأسد منها، مثل بابل وسبأ والفراعنة، فحضارة صدر الإسلام والأندلس؛ لنعيش بعدها في سبات طال ليله حتى ساورتنا الشكوك، بل سلمنا الناصية لمن يريد قربانا، حتى برز لنا من شبابنا من كنا نظن به الظنون، فسبحان من يضع سره في أضعف خلقه، ولكنها سنّة الله سبحانه يداول الأيام بين الناس. عندما أغمض عيني لأسرح في المستقبل أجدني أدور في الفلك الطبيعي لأحلام لا أجدها تتعدى الوظيفة ومستقبل الأولاد والانتقال إلى منزل فيه نوع من الرفاهية، وأن أجمع بين دنياي وآخرتي، لكنها تظل تدور في دائرة ضيقة تتصف بالكثير من الأنانية.

Ad

ما رأيته خلال الأيام الماضية أيقظني من سباتي الطويل لأجد أحلام أحمد، قد أخذت بكل ما حلمت به؛ رامية بها على أرض الواقع دون أن أشعر من شدة فرحي لما اقترفت يداه؛ لأني أقف لأول مرة أمام الحقيقة الحلم.

أخذتني الغفوة وكنت أحسبها حلما أو أضغاث أحلام لكنه الواقع الجميل لوطني العربي الكبير الذي لطالما تغنينا به صغارا كتبنا لحنه، ولم نتجرأ يوما على عزفه حتى أتى أولئك الفتية ليصدحوا به جهرا، وكأنهم ليوث بني هاشم.

لأول مرة أكتب دون أن أعيد القراءة حين نسيت من حولي، ونسيت ذلك الصداع الذي يلازمني في أثناء التحليق بالجو وفراق من أحببت فرحا بنهضة قد أرى أو يرى ثمارها أحمد ورفاقه.

من يقرأ التاريخ وقيام الحضارات سيجد للوطن العربي نصيب الأسد منها، مثل بابل وسبأ والفراعنة، فحضارة صدر الإسلام والأندلس؛ لنعيش بعدها في سبات طال ليله حتى ساورتنا الشكوك، بل سلمنا الناصية لمن يريد قربانا، حتى برز لنا من شبابنا من كنا نظن به الظنون، فسبحان من يضع سره في أضعف خلقه، ولكنها سنّة الله سبحانه يداول الأيام بين الناس.

بدأت الرحلة كأنها اللحظة لم توقفها نداءات الكابتن، ولا طلقات الجلاد، ولا الوعيد والترغيب؛ لتلوح في الأفق شمس الحرية شامخة على كل الدنيا تصرخ في وجه كل جبار عتيد بصوت واحد «أنا هنا ولا فخر»... «أنا الحقيقة»... «أنا الشباب»... «أنا هنا أقود لا أقاد»... «أنا هنا يا أوغاد».

الشجاعة فخر الأبطال والحلم عنوان العاقل، فالحكيم يعرف الفرق بين الشجاع والضعيف، واللص والشريف، والكريم والبخيل، والعزيز واللئيم، والفرق بينهم كشعرة معاوية؛ إلا أن الأحداث أخرجت لنا خلطة من صفات النبل من التضحية والإيثار؛ قابلها صفات من القبح حملها شر مخلوقات الله من بني جلدتنا تسجد للجلاد دون الرب، فـ»تبّت يدا أبي لهب وتب».

الهامات الشامخات تظلت شامخة وإن ووريت الثرى؛ لتعانق الثريا، لكن الجبان دفن في غياهب الجب، وإن تنفس جسده، فشتان بين الاثنين: واحد ذاق كأس المنية فانتصر وواحد عاش ليذوق كأس الذل والهوان.

هذه المرة أنشودة النهضة لم يجتمع لها الرؤساء والملوك ولا المفكرون والساسة، ولا رجال الأعمال والدين، بل عفوية كما أراد لها الله؛ شملت كل شباب العرب ليحيي فيها أمة ماتت لسنوات طوال، فسبحان من «يحيي العظام وهي رميم».

وأخيرا: رحم الله من سقى النبتة بدمه وماله وجهده ليحيي الأرض بعد موتها.

ودمتم سالمين.