أفكار للبيع

نشر في 16-08-2010
آخر تحديث 16-08-2010 | 00:01
 فوزية شويش السالم عندما قرأت رواية "الطوف الحجري" لخوزيه ساراماغو، انبهرت من قوة خياله، وكم شطح هذا الخيال إلى البعيد، أبعد مما يتصوره العقل، مما دفعني إلى الاعتقاد بأنه قد تأثر بحكايات ألف ليلة وليلة، إلا أنه في زمننا هذا أصبح الشطح الخيالي قريباً جداً من التحقق، وبات الكتاب يتنبأون أو يستبصرون ما سيأتي به المستقبل من قبل حدوثه، وهناك روايات عديدة وأفلام كلها توقعت أو تخيلت أحداثاً ظنناها غير قابلة للحدوث، وجاء الزمن ليحقق لها الوجود، ورواية الطوف الحجري، التي كتبها ساراماغو عام 1986، هي مثال على ذلك، فقد تخيل انفصال شبه الجزيرة الإيبرية: إسبانيا والبرتغال عن أوروبا وعومها في البحر، وما تبع ذلك من كوارث وأحداث تحصل دائماً في أوقات الأزمات، وما تخيله ساراماغو يحدث الآن فقط بشكل مختلف، فانفصال قطعة الجليد الضخمة من القطب الشمالي بسبب الاحتباس الحراري، وتحركها من الشمال كطوف جليدي بحجم جزيرة عائمة، وبما أن الجزر أساسا هي جبال مثبتة في قاع البحر، لذا نجدها لا تتحرك ولا ترحل ولا تغير مكانها، لكن هذا الطوف الجليدي المتحرك سيمضي في البحر مثل جزيرة عائمة سائرة في اتجاه جرين لاند وكندا، فهل ستتبع الكوارث هذا الطوف الجليدي العائم كجزيرة مثل تلك الكوارث والأحداث التي تخيلها ساراماغو لجزيرته المنفصلة أيضاً والعائمة كطوف حجري هدد الدول التي سار في اتجاهها بارتطام زلزالي؟

وهل ستتصارع على احتلاله كل من كندا وجرين لاند، وهل سيمثل ثروة لكل منهما؟

وماذا لو كان على هذا الطوف بشر من الاسكيمو مثلاً، أو حيوانات ذات فراء نادر سابته، أو ثروات معدنية أو نباتية، أو أي مواد لم تعرف بعد؟

أو ماذا لو بدأ هذا الطوف الجليدي الذوبان في حال ازدياد الاحتباس الحراري بدرجة أعلى، فهل سيغرق المدن القريبة منه، أم أن هذه الدول ستجد طريقة ما لتكسيره ومن ثم شحنه للدول التي تعاني نقصا في مياهها، وستنتج تجارة جديدة لشحن وسحب الاطواف الجليدية العائمة إلى البلاد التي تعاني شحاً في المياه، فهل ستقوم نزاعات أو حروب حول ملكيتها، مثلما هو متوقع في مثل هذه الحالات، وهل ستتنازع الدول المطلة والقريبة من القطب الشمالي، الذي بدأ في التناقص، بحيث سيمكن دول مثل كندا وأميركا وروسيا من الإبحار في المحيط من الشمال، وهذا ما حدث بالفعل، فقد تمكنت سفينتان من كندا من العبور في ممر القطب الشمالي، وهذا الإبحار تتنازع عليه الدول المحيطة والقريبة من القطب، فهل سيكون الإبحار من هناك نهاية لقناة السويس، لأنه سيختصر المسافات والتكاليف أيضاً، فهل سيصبح البديل المقبل عن قناة السويس، مثلما جاءت قناة السويس لتحل مكان رأس الرجاء الصالح، الذي هو بدوره حل محل طريق الحرير؟

هذه كلها فرضيات تنتظر مؤلفاً ليعيد صياغتها في رواية، كما صاغ خوزيه سراماجو طوافته المتخيلة، والمختلف هنا هو أن معظم هذه الفرضيات قابلة للحدوث في الزمن القادم وبعضها حدث بالفعل، وما على المؤلف إلا أن يتخيل روابط درامية خرافية تربط ما بين الافتراضات التي سقتها في بداية المقال، ومهما كانت غرائبيتها فالزمن سيأتي بما يماثلها.

هذه أفكار تبنى عليها الرواية، وهي الطريقة التي بالفعل تنمى بها الحكاية وتتطور حتى تصبح بالفعل رواية.

back to top