هل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يتحلى فعلاً بكل تلك القوة؟ لا شك في أنه يرى نفسه بهذه الصورة، لاسيما لأنه يحظى بدعم أكثر الرجال نفوذاً في إيران، آية الله علي خامنئي.
مع ذلك، يسيء أحمدي نجاد النظر إلى نفسه، إذ إن السبب الوحيد وراء بقائه في منصبه منذ عام 2005 هو دعم خامنئي له. وبينما ينتقد الذمامون سلفه محمد خاتمي لضعفه وقلة حيلته، تثبت المقارنة الدقيقة بين الرجلين أن الواقع مختلف تماماً.عند مقارنة هذين السياسيين والتدقيق في الدعم الذي راكمه كل منهما بفضل جدارته ومقامه، يتضح أن خاتمي أقوى كرئيس من أحمدي نجاد. ففي النهاية، لم يأتِ خاتمي إلى السلطة بفضل دعم خامنئي، لا بل استطاع الوصول إلى سدة الرئاسة رغم افتقاره النسبي إلى هذا الدعم، فضلاً عن أنه تمكن من البقاء في السلطة لثماني سنوات مع أن خامنئي نغّص عليه حياته قدر الإمكان.وبالفعل، رغم التوتر في العلاقات، نجح خاتمي في إقناع خامنئي بالموافقة على قرار حساس وصعب بقدر تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم في البلاد. في المقابل، لما استطاع أحمدي نجاد مطلقاً أن يحظى بالتقدير الذي يخوّله إقناع خامنئي بالعدول عن مسألة مهمة بقدر البرنامج النووي في البلاد.بيد أن الثقة انعكاس للرؤية الذاتية، ومن هذا المنطلق، يتصرّف أحمدي نجاد كرجل ذي سطوة ونفوذ بحق بغض النظر عن الصورة التي يراه بها الآخرون. فرؤيته الذاتية هي التي دفعته على ما يُفترض إلى مباشرة مهمة قد يعتبرها كثيرون طموحة جداً بالنسبة إلى قائد بمكانته، وهي تهيئة خلفه.لا شك في أن القرار المتعلق بتحديد الرئيس المقبل لإيران يعود في النهاية لخامنئي، لكن ذلك لا يمنع أحمدي نجاد على ما يبدو من محاولة اختياره. فمن هو الرجل الذي ينوي تعيينه خلفاً له؟ يبدو أن اختياره الأول يقع على نائبه الأول السابق، إسفنديار رحيم مشائي.لدى هذين الرجلين تاريخ مشترك طويل. وفقاً لمصادر من المعارضة، التقيا للمرة الأولى في عام 1982، حين كان أحمدي نجاد اليافع حاكماً لمدينة خوي في محافظة آذربايجان الغربية. وفي الفترة عينها، عَيّن وزير الاستخبارات الإيراني مشائي في الفريق المسؤول عن أمن منطقة كردستان المجاورة.من ثم جمعت بينهما علاقة صداقة وطيدة، وحين عُيّن أحمدي نجاد في محافظة أردبيل، جعل مشائي عضواً في فريقه، إلى جانب صادق محصولي (حالياً وزير الرفاه والضمان الاجتماعي) ومجتبى ساماري هاشمي (من المستشارين البارزين). يُذكَر أن هؤلاء يُعرَفون اليوم بأعضاء "دائرة أردبيل" المحيطة بأحمدي نجاد. في النهاية، أصبح مشائي فرداً من العائلة منذ ثلاث سنوات حين تزوّج ابن الرئيس من ابنته، ويُعتقد أيضاً أن كليهما من أتباع آية الله مصباح يازدي وتعاليمه التي تدعو إلى الخلاص. لم يعلن أحمدي نجاد بصراحة أنه يريد أن يحل مشائي محله، لكن ثمة أدلة ظرفية مهمة كثيرة تشير إلى ذلك، أدلة واضحة وضوح الشمس في إيران. في مقال نُشر في 14 يوليو، اتهم موقع "راجا نيوز" الإلكتروني المؤيد لأحمدي نجاد مشائي بإطلاق حملة انتخابية مبكرة. أشار معدو التقرير مثلاً إلى أن مشائي تحدث بالنيابة عن الرئيس في مؤتمرات، ورحلات إلى الخارج، ولقاءات ضمت لجان المحافظات.وما يزيد أهمية الرأي القائل إن مشائي هو الشخص الذي وقع عليه الاختيار بالفعل أن أحمدي نجاد عيّنه أيضاً في 17 منصباً حكومياً مختلفاً منذ أن أُجبر على تقديم استقالته بعد مرور أسبوع فقط على تولّيه منصب نائب الرئيس الأول في يوليو الماضي (على ما يُفترض بضغط من خامنئي بعد إدلائه بتعليقات ودية تجاه الإسرائيليين).فضلاً عن ذلك، عزّز تعيين نجاد لمشائي أخيراً مبعوثاً له إلى الشرق الأوسط شكوك موقع "راجا نيوز". فمع الانسحاب الأميركي من العراق وزيادة الوضع اللبناني هشاشةً نتيجة المحكمة الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، سيعزز منصب مشائي الجديد مكانته محلياً وفي الخارج، لاسيما في نظر حرس الثورة الإسلامية وقوته "القدس"، وهو أمر سيعود عليه على الأرجح بالمنفعة السياسية مستقبلاً.هذا ليس كل شيء. يشكل تعيين نجاد حامد بقائي، أحد المقربين من مشائي، مبعوثاً له إلى آسيا دليلاً آخر على نية نجاد اختيار مشائي خلفاً له. يُشار إلى أن هذا الأخير التقى بقائي حين كانا يعملان معاً في إذاعة طهران حيث كان بقائي آنذاك مسؤولاً عن موقع المحطة الإلكتروني. في ذلك الوقت، كان بقائي عموماً في نظر الآخرين أقل كفاءةً وخبرةً من أن يفوز بالمنصب، وسرت شائعات عن أنه عُيّن فحسب بفضل مساعدة مشائي.كذلك لحق بقائي بمشائي إلى منظمة الفنون البلدية والثقافة في طهران، ومن ثم إلى مكتب الإرث الثقافي والسياحة، ما أثار غضب موقع "تباناك" الإلكتروني الذي اعتبر أن بقائي لم يكن مؤهلاً لمثل هذا المنصب.هذا ولازم الجدل بقائي خلال توليه منصبه الجديد كمبعوث إلى آسيا، بعد أن وصف مجزرة الأرمن التي ارتكبها الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى بالإبادة، الأمر الذي أحرج الكثير من المسؤولين الإيرانيين أمام حلفائهم الأتراك. لكن ذلك لم يحرج مشائي على ما يبدو، وهو اليوم يضم المقربين منه إلى فريق أحمدي نجاد حيث مُنحوا مناصب نافذة، ما يعزز فكرة أن الرئيس يساعد مشائي على تشكيل دائرة النفوذ الخاصة به.ما الذي ستخفيه رئاسة مشائي إذن لإيران والمنطقة؟ للأسف لا توجد دلائل كثيرة في ذلك الصدد تسمح بالانطلاق منها، لأن مشائي لم يدلِ بالكثير من التعليقات العلنية الثمينة حول المسائل المحلية، لاسيما موضوع الاقتصاد الأبرز.أما ما إذا كان خامنئي سيسمح لمشائي بالحلول محل أحمدي نجاد فهي حتماً مسألة أخرى. حتى الساعة، تشير العدائية التي أظهرها رجال الدين وأعضاء كثر في حركة المحافظين تجاه مشائي إلى أن الدرب وعر أمامه، لكن لايزال أمامه ثلاث سنوات، وإن تمكن أحمدي نجاد من أن يحبب خامنئي وبعض المحافظين على الأقل في مشائي، فسيحظى عندئذ بفرصة تحقيق هدفه بجهود حثيثة.لكن ذلك، إن تحقق، فسيخدم مصالح أحمدي نجاد أيضاً. ففي النهاية، لن يخوض هذا الأخير حتماً في الأمر بدافع العاطفة التي تربطه بمشائي فحسب، بل سيساعده انتخابه في الحفاظ على نفوذه بعد مغادرته منصبه. ومن يدري؟ ربما يرد مشائي الجميل عبر مساعدة نجاد بأن يُنتخب مجدداً بعد استكمال ولايته لمدة أربع سنوات.* مير جافدانفار | Meir Javedanfar
مقالات
من هو رئيس إيران المقبل؟
08-09-2010