كل من عاش فترة الثورة الإيرانية وما أعقبها من حقبة الحرب العراقية – الإيرانية في بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، عاصر التوتر الطائفي الذي عاشه البلد وبعض الدول الخليجية في تلك الفترة حتى غزو صدام حسين للكويت، في تلك الحقبة برز التصنيف الطائفي ما بين السني والشيعي الذي لم يكن معروفاً في الديرة، وبدأ التوجس والتساؤل عن مدى ولاء أبناء الطائفة الجعفرية في النزاع المسلح الذي اندلع بين بغداد وطهران، وفي أي صف يقفون، وهو النزاع الذي صوره نظام البعث المقبور بأنه سني-شيعي، وعربي-فارسي ليجيش الدعم له لحماية البوابة الشرقية للأمة العربية، كما كان يدعي، وفي تلك الفترة انساق الكثيرون في هذه الموجة الضارة والمفتتة لوحدة الوطن، وتم إقصاء عدد لا بأس به من الطائفة من مواقع حساسة كالقطاع النفطي والأمن والدفاع، حتى جاء الغزو ليبدد تلك الشكوك وتتضح حقيقة التلاحم الوطني بين جميع أطياف المجتمع الكويتي.
تجربة فترة الثمانينيات أثرت بشكل عميق في معظم من عايشها، وأنا واحد منهم، ولذلك لم أقارب قضايا التجاذبات الطائفية طوال عملي الصحافي أو أخض فيها، ولكننا اليوم نعيش مرحلة بالغة الحساسية والمخاطر مع تصاعد مؤشرات لمواجهة محتملة لطهران مع المجتمع الدولي بسبب ملفها النووي، إضافة إلى الحديث من مراجع دولية معتبرة عن حدث مهم تجاه هذا الملف خلال الأشهر الستة المقبلة من بينها الخيار العسكري، الذي نتمنى ألا يقع ويبادر قادة طهران ليطفئوا فتيل المواجهة قبل أن يلهب برميل البارود ويفجره، الذي سنكون نحن في الكويت أول من يصيبه شرره، هذه الأحداث تجعلنا نعيش أياماً صعبة وتدفعنا لنتكلم في هذا الملف الحساس، خاصة بعد توالي أخبار الخلايا النائمة التي نشطت وقامت بأعمال أمنية في مملكة البحرين تزامناً مع فترة بدء تشغيل مفاعل بوشهر النووي الإيراني وارتفاع احتمالات توجيه ضربة إسرائيلية إليه، وما رشح بعد ذلك عن وجود ارتباطات لتلك الخلايا مع تنظيمات مشابهة لها في الكويت، وهو ما استدعى قيام وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد بزيارة غير مبرمجة وعلى وجه السرعة للمنامة، رغم نفي خبر الخلايا النائمة لاحقاً لأسباب أرجعها بعض المراقبين السياسيين إلى رغبة الدول الخليجية في تخفيف التوتر مع الجارة إيران.ولكن المستغرب في الموضوع أنه منذ إعلان خبر الخلايا النائمة ونيتها القيام بأعمال تخريبية في المنطقة ككل والكويت بصفة خاصة، لم تخرج أي مرجعية دينية أو سياسية لإخواننا من الطائفة الجعفرية الكريمة في البلد، لتشجب أو تحذر أو تندد بتلك الأنشطة التخريبية، وحالة السكوت تلك التي استمرت ثلاثة أيام طوال حتى نفت مصادر أمنية صحة خبر الخلايا المخربة، رغم أن رموز الطائفة الدينية والسياسية معروف عنهم كثرة نشاطهم وتعليقهم على كل الأحداث التي تقع من العراق حتى أفغانستان، وحالة الصمت تلك إذا استمرت فسنقع مرة أخرى في حالة الالتباس والتوجس القديمة، وهو الوضع الذي يتطلب أن تتم مقاربته من شركائنا في الوطن بشكل مختلف في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة في المنطقة، فكلام الاستنكار والشجب من مراجع الطائفة مطلوب حتى لا يندفع غِرّ أو مغرر به في طريق يؤذي به وطنه وأهله، لأن السكوت قد يفهمه البعض على أنه علامة الرضا.القادم من الأحداث في الشهور القليلة المقبلة جد خطير، ويتطلب جهوداً كبيرة وتكاتفاً وطنياً حتى نعبره بسلام أو بأقل الممكن من الأضرار، ودور إخواننا الشيعة فيه مؤثر ورئيسي في رص الصف الوطني، ومبادرتهم إلى شجب محاولات النيل من البلد وتخريبه لا يعني إطلاقاً أنهم محل اتهام، بل دليل على أنهم أهل البيت الكويتي «الأصيلون»، لأن صاحب البيت هو أول من يبادر ويتصدى ويمنع من يحاول تخريبه أو النيل منه، ولذلك نحن نترقب أن تتعامل المرجعيات والرموز الدينية والسياسية للطائفة الشيعية مع الأحداث الأمنية المتزامنة أو المتعلقة بتطورات الشأن الإيراني مستقبلاً بشكل أكثر تفاعلاً وسرعة لحماية البلد والطائفة من الآتي من أحداث في المنطقة، التي نسأل الله أن يقينا شرها، ويسلم كل أبناء الوطن والديرة من آثارها.
أخر كلام
السكوت علامة الرضا
29-08-2010