منذ أن هلت علينا السنة الجديدة 2011 وإلى هذا اليوم والعالم يعيشها بهرولة ولهاث وقلق مستمر طوال الوقت، لا يعرف أن ينام وأن يهدأ، فمنذ بدايتها ونحن نعيشها بانفعالات حادة تتراوح ما بين الخوف والفرح والأمل، ومن ثم عودة أخرى إلى الخوف والتربص والانتظار لما ستسفر عنه الأحداث الجسام التي تمر الآن في العالم العربي.

Ad

الأحداث التي انفجرت فيها جسمت من واقعها، فهي سنة تغيرات عجيبة، ومن شدة وعظمة تحولاتها وتغيراتها جعلت من أحداث شهرين تبدو كأنها سنة. أحداث كبيرة تقلقل عالمنا العربي وتهزه من المحيط إلى الخليج.

فجأة» يتضعضع» «ويتكركب» كل شيء، وتتخلخل كل أنماط الحكم وتهتز فيها الكراسي، وتقلقل فيها حياة الناس.

مفاجآت مذهلة سريعة حدثت في مصر غيرت مفاهيم كثيرة، وأعطت الأمل إلى الشعوب الأخرى والحلم بإمكان التغير إلى الأفضل والأحسن، مما شجع ونقل العدوى إلى دول عديدة، ومنها ليبيا التي نقترب من معرفة واقعها للمرة الأولى.

ليبيا البعيدة والمعزولة خلف جدران معمر القذافي تنتفض وتثور على واقعها بشدة، وفي حال نجاحها سيطاح بآخر أنماط القائد الشمولي المستبد، القائد الأب الفارض لسلطة أبوية لا تعرف لها بداية من نهاية.

وإذا انهار هذا النظام فسينهار معه آخر معلم لهذا النوع من الزعماء الذين لهم «كاركتار» خاص جدا، ومن الشخصيات التي مرت على العالم بغرابتها وبفرادة نمطها وسلوكها. ولا أقصد بذلك قدرتها على الظلم والاستبداد، فهذا النمط متوافر ووارد جدا خصوصا في عالمنا العربي، لكن ما أقصده هو نمط الغرابة في سلوك الشخصية، مثل سلوك صدام حسين والقذافي وغيرهما من تلك الشخصيات العجيبة التي مرت على التاريخ.

فشخصية القذافي هي شخصية شكسبيرية بجدارة، بكل أبعادها الدرامية الفاقعة، وقدرها الذي لابد له من الفاجعة، فكل خطاباته تظهر معالم وجوانب هذه الشخصية الكارثية السائرة في أدوارها القدرية المحتمة.

فهو العائش في شخصية الثائر المعتلي على كرسي الحكم مدة 42 سنة، يجدها ليست بكافية كأنما المسرح ملك لبطولته مدى الحياة، وسيبقى على خشبته حتى تسدل الستارة على المشهد الأخير عند موت البطل في مشهده التراجيدي.

42 سنة مرت عليه وهو كاتم فيها لأنفاس الناس ولأقدارهم، يجدها ليست بكافية للثائر البطل، فأي سحر يمتلكه هذا الكرسي بحيث أنه لا يمل منه المرء ولا يشبع. سحر الكرسي يقود الجالس عليه إلى حافة الموت، ومع هذا يبقى لآخر نفس متشبث ومتمسك فيه.

كرسي... يخدر، يسحر، ويُغيب الحواس، حتى ينتهي بجنون صاحبه أو بموته.

فهل سيقود هذا الكرسي معمر القذافي صاحب الشخصية الفريدة في طابعها، وفي نمطها واختلاف طريقة تفكيرها، وجموح خيالها الشاذ عن الواقع إلى قدرها الشكسبيري الدامي؟

معمر القذافي شخصية مثيرة جدا، و»كاركتار» صالح للتأليف والكتابة، فهو شخصية منساقة في حتمية إلى قدرها، فلابد أن تتصاعد مع درامية أحداثها حتى النهاية.

شخصية مثل هذه الشخصية سيكثر تناولها، خصوصا إذا انتصر الثوار وهدموا قدسية المعبد وتمكنوا من كشف كل الأسرار المختفية خلفها الشخصية الأسطورية بكل خباياها التي سيتم الكشف عنها تدريجيا مع مرور الوقت، وحينئذ سيتهافت الكتاب على كتابتها، وعلى النبش في ماضيها، في كل كلمة وفي كل حرف سيكون فيه معنى وتأويل.

شخصية مثل شخصية معمر القذافي ستبقى حية لن تموت، حتى وإن مات صاحبها فهو النموذج المستوفي لكل شروط مجنون العظمة الغريب، والظريف الغاطس في غرابته وفي عزلة عالمه التمحور والمتمثل به وبجنون عظمة أفكاره المستبدة.