الجنس والمدينة... حرام وممنوع!
تحقيق مثير قرأته في مجلة علوم النفس «Psychologies»، عدد يوليو الماضي (الطبعة البريطانية)، جعلني أتفكر في هذا الموضوع من زوايا لم أنظر عبرها من قبل. التحقيق يدور حول انتشار صناعة الإباحية والجنس، سواء عبر الإنترنت أو الفيديو أو المطبوعات، ويسلط الضوء على التأثيرات الاجتماعية لهذه الصناعة الآخذة في الانتشار والتزايد بلا هوادة، على المجتمعات، وعلى صغار السن على وجه الخصوص!
يتحدث التحقيق عن الغرب بطبيعة الحال، حيث يوجد هناك الفكر الليبرالي المطلق، الذي ينظر إلى هذه المسألة، وكل مسألة تقريبا، على أنها «بزنس»، وعرض وطلب، وأن فكرة المنع مرفوضة أساساً، وعلى المتضرر، أو من يخشى الضرر، أن يبحث عن الوسائل الكفيلة بحمايته، قبل أن يندفع نحو محاولة لجم «حريات» الآخرين، وبالطبع فإن مساحات الحرية، هناك في الغرب، تكاد تكون مفتوحة لا متناهية، وبالتالي فإن هذا الكلام قد لا يكون مفهوماً أو مهضوماً جداً عندنا.لكننا في العالم العربي لسنا، بالرغم من ذلك، بمعزل عن تداول صناعة الإباحية والجنس، مهما زعمنا بأننا مجتمعات متدينة وأخلاقية محافظة، ومهما وضعنا القوانين والعقوبات الرادعة على تداول هذه المواد، لأن انتشارها كبير جداً عندنا بشهادة الواقع، بالرغم من كل محاولات المنع والرقابة والسيطرة والعقاب بالقانون، والتخويف والزجر والوعيد بالعذاب والعقاب وجهنم والسعير. وانتشار هذه المسألة قد تجاوز اليوم تداول المواد المصنعة في الغرب، من مواقع إنترنت وفيديو ومطبوعات، ووصل إلى مرحلة الإنتاج المحلي، سواء بشكل احترافي، أو بطريقة شخصية. ويدرك العارفون أن الإنترنت والهواتف النقالة، في عالمنا العربي، صارت مليئة بصور ومقاطع فيديو إباحية لأشخاص عرب، يمارسون كل أشكال الجنس والإباحية، مع تغطية الوجه، مما يدل على أن محاولات المنع والرقابة القانونية والدينية والأخلاقية، لم تجدِ نفعاً، وأنه لو تخيلنا سقوط هذه الموانع جدلاً، لانفجر في وجوهنا صندوق باندورا الممتلئ بهذا المحتوى العربي المتوحش! ما أريد الوصول إليه هنا، هو أن تعاملنا مع هذه المسألة هو ذاته مع كل المسائل المشابهة، تلك الشائكة مجتمعياً وأخلاقياً، كمسألة الطائفية والعنصرية والطبقية، حيث يكون التعامل دوماً تعاملاً خجولاً وعلى استحياء، يبقى على السطح، مكتفياً بالمنع والزجر والرقابة، ولا يغوص إلى العمق حيث دراسة المسببات والأسباب ومحاولة العلاج في ذاك المستوى.لا يوجد لدينا اليوم تعاطٍ حقيقي لهذه المسألة، أعني مسألة انتشار الجنس والإباحية، ولا دراسات تحليلية بالقدر الكافي، تستكشف أبعاد المسألة وتأثيراتها المجتمعية في الأجيال المختلفة، ولا انعكاساتها على السلوكيات الأخلاقية والعلاقات الزوجية والعائلية، ولا على أي شيء من هذا القبيل. هذه المسألة هي فقط حرام وممنوع، والسلام!من عادتنا كعرب، أن نصل متأخرين إلى كل شيء يصل إليه العالم، ويبدو أننا سنصل متأخرين في هذه المسألة أيضاً. الغرب قد احتاج إلى سنوات طويلة من تداول هذه الصناعة، ودخل في زوابع ودوامات الرفض والقبول لفترة طويلة، حتى وصل اليوم إلى مرحلة التعاطي معها بشكل علمي صحيح، فهل يجب علينا أيضاً أن نستغرق وقتاً طويلاً، حتى نقر بوجود المشكلة في مجتمعاتنا، وحتى نبدأ في البحث عن تأثيراتها فينا؟ أرفض هذا جداً، لكن يبدو أنه ما سيحصل وللأسف!