غالباً ما تعتمد الرواية الفرنسية في كتابتها على أحداث يومية أو حياتية بسيطة وبعيدة عن التعقيد الكتابي، أو المنهجية القاموسية التي تعتمد على شبك وحبك وإدارة عقد كثيرة في النسيج الروائي.
الرواية الفرنسية تركز على أحداث دائرة في حياة الشخصية المكتوبة عنها الرواية، ويقوم الحكي بتعميق وتوسيع الحدث حتى يعطيه أبعاداً قد لا تخطر على بال أحد، وأحياناً يكون الحدث فيها قد لا يستحق كل هذه الأهمية من وجهة نظر البعض.الرواية الفرنسية حداثتها آتية من مكان لا تشبه حداثته الكتابة فيه أي كتابة أخرى، خصوصاً رواية كتاب أميركا اللاتينية التي تعتمد على الواقعية السحرية، والخيالات المستمدة من ألف ليلة وليلة.حداثة الرواية الفرنسية تأتي من طريقة تفكير الكاتب وزاوية تناوله لأحداث الرواية التي قد يكتبها في سرد لا يحمل تقنيات جديدة مبهرة، لكن حداثة نظرته للأمور وتفكيكه لها، وجدة تفسيراته وتأملاته للمادة التي يكتبها يعطيها حداثة عكست تفكير مؤلفها، وهي التي ستكون في ذات الوقت تقنيته الكتابية.وهذا ما انعكس تماما في رواية «الحدث» للكاتبة الفرنسية آني آرنو التي سبق أن قرأت لها رواية عشق بسيط، ورواية امرأة، اللتين كتبتا بذات الأسلوب وبمنطقه.رواية الحدث تركز على تجربة الإجهاض التي يحرمها القانون الفرنسي، ويقوم بتجريم الطبيب والمرأة التي تجهض نفسها، وقد تمر تجربة الإجهاض بالنسبة إلى المرأة المتزوجة مرور الكرام من دون أن تحدث لها أي أثر مبالغ فيه، فالخوف عند المرأة المتزوجة من العار غير موجود، كما أن الإجهاض الطبيعي لا يمثل لها فضيحة، وذلك عكس الحال مع المرأة العازبة.في رواية الحدث التي ربما تكون هي سيرة الكاتبة ذاتها، فهي تتحدث عن فتاة في العشرين من عمرها تحمل من زميل لها في الجامعة من دون علاقة زواج، وتحاول بشتى الطرق إجهاض نفسها، لكنها لا تنجح في أي منها، ومن ثم تبدأ في البحث عمن يقوم بعملية إجهاض غير شرعي لها.وتحاول المرأة إجهاضها بمسبار، لكن العملية تفشل ويستمر الحمل في تقدمه، ومرة أخرى تقوم المرأة بزرع مسبار جديد في رحمها مما يأتي بنتائج إيجابية خلصت الفتاة من الجنين.الرواية كلها تدور في عمق هذه المشاعر القلقة والدائرة ما بين الخوف والخلاص من جنين متعلق بنطفة الحياة المتدفقة فيه، وما بين الفضيحة والخوف من عقاب القانون المترصد بعمليات الإجهاض.مشاعر قلق وإحباط، وتجربة حادة عميقة تتلامس مع حدود الحياة والموت، خاصة عندما يفاجئ المخاض الطالبة وهي في السكن مع صديقتها حين ينزل الطفل ولا تعرف البنت ولا صديقتها كيفية التعامل مع قص الحبل السري، مما ينتج عنه خطأ في القطع ينتهي بنزيف حاد كاد يودي بحياتها.الرواية كلها ليست إلا كتابة هذا الحدث وحده، وإحساس البنت فيه منذ لحظة الخلق الأولى وتكون نطفتها لحظة بلحظة، ومراقبة نموها فيها.كل التغيرات النفسية والحسية والجسدية والعاطفية سجلتها بدقة المراقب اليومي المترصد بحالة لا يدري متى ينتهي منها، حتى نزل رأس الطفل كرمانة متدفقة منها وهو ما كتبته في ما يلي:* كان ينبغي أن أمشي به حتى حجرتي، أخذته في يدي- له ثقل عجيب– وتقدمت في الممر بينما أضمه بين فخذي. كنت بهيمة.إنه مشهد بلا اسم، الحياة والموت في لحظة نفسها، مشهد اضحية.وهذه التضحية كانا لازمين لي لكي أرغب في إنجاب أطفال، لكي أقبل هذا العنف الخاص بالولادة في جسدي وأصبح بدوري مكانا تعبر منه أجيال.* تجربة تمت معايشتها من أقصاها إلى أقصاها عبر الجسد.* الأشياء حدثت لكي أعيها. والهدف الحقيقي من حياتي هو ربما فقط ما يلي: أن يصير جسمي، وإحساساتي وأفكاري كتابة، أي شيء مفهوم وعام، تجربتي تذوب كلية في رأسي وحياة الآخرين.
توابل - ثقافات
الحدث
23-05-2011