قرأت للكاتب السعودي حمد العيسى ترجمة لمسرحية "وارث الريح"، وهي عبارة عن أحداث لقصة محاكمة أميركية حقيقة شهيرة دارت أحداثها في عام 1952، حيث قام أحد المعلمين في مدينة "دايتون" في ولاية تينسي بتدريس كتاب "أصل الأنواع" لدارون، تلك النظرية التي اعتبرت من قبل رجال الكنيسة بأنها تناهض نظرية الخلق الدينية، وسميت تلك القضية "محاكمة القرد" وقد قام المدعي العام، وهو المحامي والسياسي المحافظ "ويليام جينينغز بريان" بالتطوع لقيادة فريق الإدعاء، والمحامى "كلارنس دارو" بمهمة الدفاع عن المعلم الدارويني، الرواية في شكلها العام هي الصراع القديم بين الليبراليين والمحافظين في أميركا، والجدير بالذكر في هذه القصة الواقعية، أن القاضي، بضغط من العوام والرأي العام المحافظ، رفض شهود المحامي وكان جلهم من العلماء البيولوجيين والأركولوجيين والجيولوجيين وعلماء التاريخ الطبيعي، للتقدم لأخذ إفادتهم في ما يتعلق بنظرية التطور الداروينية، فأخذ الادعاء زمام الأمور في هذه القضية وبتهليل من الجمهور الغاضب على المعلم، إلى أن طلب المحامي من القاضي أن يستدعي شاهداً لا يمكن أن ترفضه المحكمة ألا وهو المدعي العام نفسه، وفي ذهول الحشد الجماهيري جاء المدعي العام بتفاخر وغرور بالتقدم نحو منصة الشهادة، وبثقة تامة بأن مسار المحاكمة يسير لمصلحته بعد امتناع القاضي ورفضه لشهود المحامي، وقد دار بين كل من المدعي العام ومحامي الدفاع نقاشاً رائعاً وجدلاً منطقياً من الجانبين حول القضية من منظور ديني، وقد فتح المحامي الكتاب المقدس الإنجيل وقرأ قصة الخلق "الستة أيام"، كما ورد أيضا في القرآن الكريم. وقال المحامي للادعاء الذي يعتلي منصة الشهادة: "إذا كان الله قد خلق الشمس في اليوم الرابع، فكيف يمكن احتساب اليوم الأول والثاني والثالث في حال عدم وجود الشمس الذي من خلاله نتعرف على الأيام"، وقد استدل المحامي من خلال هذه النقطة بإمكان نجاح النظرية الداروينية التطورية، بأن اليوم الواحد قبل خلق الله للشمس قد يكون الآف أو ملايين السنين، ومنه يتحقق الزمن الكافي لتطور الكائنات بحسب النظرية الداروينية. وقصة الخلق كما جاء في الطبري الجزء الأول تتطابق مع قصة الخلق في الإنجيل، وقبل الانتهاء من المحاكمة سقط المدعي العام وسط المحكمة بسبب إصابته بأزمة قلبية كانت فيها روحه.
الصراع بين الحداثيين والمحافظين قائم حول الكثير من النظريات، ولكن نظرية دارون اتخذت أبعاداً خطيرة، وغضبة دينية من قبل المسيحيين والإسلاميين، حتى استسلمت الكنيسة للأصوات المنادية بعودة نظرية دارون إلى المدارس الأميركية، وخوض الكنيسة فيما يتعلق بالعلوم يجب أن يكون باعتباره وجهة نظر مقابل وجهات نظر علمية أخرى.إن دحض نظرية علمية ما أو قبولها خاضع لمنطق علمي عقلي بحت، تجري في الكليات والمراكز العلمية لا عبر شاشات التلفزيون ورأي واحد فقط، كما يحدث على شاشة إحدى القنوات الفضائية الكويتية، ويقوم مقدم البرنامج باستعراض بهلواني مع الأفاعي والعناكب، ويستضيف أحد المختصين لدحض النظرية العلمية في حلقة واحدة، وباعتبار نظرية دارون فضيحة يكشفها هذا البرنامج الفذ. نظرية دارون أو غيرها من النظريات العلمية تأخذ من العالم المتحضر سنوات وأعواما طويلة من البحث المخبري الدقيق والملايين من الدولارات في مراكز الأبحاث للوصول إلى الحقيقة العلمية، وقد يفشلون في أحيان كثيرة لإثبات صحتها، ومشايخنا الأفذاذ متكئون من خلف الكاميرات يفندون نظرية علمية في نصف ساعة... "هل يستويان"؟
مقالات
تشارلز دارون «وارث الريح»
03-09-2010