... ولا عزاء للطغاة والظلمة!

نشر في 13-02-2011
آخر تحديث 13-02-2011 | 00:00
 د. ساجد العبدلي لا أعرف كيف أبارك لشعب مصر نجاح ثورته، فكل الكلمات تتضاءل وتتقزم أمام عظمة هذا الإنجاز البطولي، هذا الإنجاز الذي كان قبل أشهر بسيطة بالنسبة للجميع، محض خيال وأوهام يستحي الواحد أن يتحدث عنها، ناهيك عن أن يبشر بها.

ألف ألف ألف مبروك يا شعب مصر... ألف ألف ألف مبروك يا مصر العظيمة... ألف ألف ألف مبروك لكل العرب والمسلمين، وشعوب العالم!

نعم، فليست عشرات الملايين من الشعب المصري هي وحدها التي تشعر بالسعادة والفرح الغامر لانتصار هذه الثورة المباركة، إنما الملايين من العرب والمسلمين، ومن شعوب العالم أجمع، تشعر بالسعادة، فصحيح أن هذه الملايين لم تر من الرئيس السابق حسني مبارك سوءا ولم تلمس المعاناة التي عاناها الشعب المصري، ولكنها تفرح اليوم لأن شعبا نال حريته وثار وانتصر على نظام قمعي كان يحكمه، فكل الشعوب المقموعة تتماهى مع فكرة الحرية والانعتاق، ولو في خيالها، وتمتزج في روح وإرادة الشعوب التي تثور على الظلم والطغيان.

إن فرحة الشعوب اليوم، من أقاصي الدنيا إلى أقاصيها ترجع إلى أنها رأت معادلة الحكم تستقيم، حيث الشعوب هي مصدر السلطات جميعا، والحكام وكلاء عنها، تزيحهم شعوبهم إن هم حادوا عن الطريق وتسلطوا ظلما وعدوانا.

إلا أن نجاح ثورة مصر، وإن كان مصدر فرح وسعادة لكل شعوب العالم، هو مصدر لفرح أكبر وسعادة مضاعفة لنا- نحن المسلمين والعرب على وجه الخصوص- فنجاح الثورة المصرية يعني أن مصر الحضارة والثقافة والفن والأدب والطاقة البشرية الجبارة، ستعود إلى الريادة بإذن الله، وسيعود نورها للإشراق والتنوير على العالمين العربي والإسلامي، كما كانت منذ عقود من الزمن.

كما أن هذه الثورة قد أثبتت للمصريين أنفسهم أن تلك التأجيجات الطائفية والفئوية التي كانت تحصل في بلادهم، بين فينة وأخرى، ما هي إلا شيء هامشي مفتعل، فلقد رأوا بأنفسهم كيف أن بنيانهم العتيد قد عاد إلى الالتحام على قبس هذه الثورة، مسلمين وأقباطا، وتعلموا كيف أن قيام مصر الجديدة لن يكون إلا بجَسر كل الخلافات، والتسامي فوق كل العثرات السابقة، والتلاحم ساعدا بساعد ويدا بيد.

إن حسني مبارك ونظامه قد رحلا، ولا عزاء للطغاة والظلمة ومن تعلقوا بهم، لكن ثقافة عقود من الزمن الماضي لم ترحل عن مصر، ولا تزال متغلغلة متجذرة في مفاصل الدولة والمجتمع وعقول الناس، وهو ما يعني أن المهمة الأصعب ستبدأ الآن، وأن الثورة الكبرى هي ثورة العلاج والإصلاح والتنمية والتطوير، وإن كانت الثورة التي أطاحت بمبارك قد استغرقت أياماً معدودة، فإن هذه الثورة الإصلاحية ستحتاج إلى زمن طويل من العمل الجاد، والجهد الدؤوب، كما أن حسني مبارك لم يكن لوحده، بل له العشرات بل المئات وربما الآلاف من الأعوان والأشباه، على مختلف المستويات الثقافية ومن شتى التوجهات الفكرية، وفي كل مفاصل الدولة ومجالاتها، وهو ما سيتطلب، بالإضافة إلى إعادة بناء دستور وهياكل الدولة وأنظمتها بطبيعة الحال، إلى إيجاد لجان شعبية متعددة تنتشر في كل النواحي، لتقصي الفساد وأربابه، وتخليص مصر منهم.

إن شعب مصر اليوم بحاجة إلى الدعم والإسناد من كل الدول والشعوب المحبة للخير والحرية والسلام، وأقل القليل، هو الدعاء لهم، والتفاؤل بأن ثورتهم البطلة ستثمر خيرا وسلاما ورخاء وأمنا على مصر، أم الدنيا!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top