تبهرني شجرة أعياد الميلاد،
أقف أمامها مشدوها... فاقدا قدرتي على النطق. تسيّر في شراييني قوافل الفرح وأعدو خلفها كطفلٍ جذل لاهٍ عن منغصات الحياة ومتاعبها، أركض بخيالاتي وراء هذه القافلة المثيرة حولي أسراب من الفراشات والعصافير الملونة والأغاني. شجرة الميلاد فاتنة الجمال، غامرة الإيحاء، والسر في فتنتها لي لا يكمُن فقط في أغصانها الخضراء المحمّلة بعناقيد النور والهدايا. ولا أذكر أنني تشاغلت يوما بحجمها بقدر انشاغلي بجوهرها. لا يدهشني أن تكون كبيرة لدرجة أن قد تصل سقف السماء، أم صغيرة لا تتجاوز ارتفاع مدفأة في المنزل. ان ما يملأ خلايا روحي بالتأمل هو جملة المعاني العظيمة التي تُنبِتها شجرة الميلاد في غصوني لتُورق وتضاهي هذه الشجرة العظيمة، الأنوار في هذه الشجرة لها معان عظيمة بالنسبة لي، خضرة الشجرة، إخفاء الهدايا في الجوارب الملونة وتعليقها على أغصانها... إلخ، كل هذه الأشياء تسربل مئات الأجنحة في قلبي! لطالما تصورت هذه الشجرة بمثابة رمز بهيّ ومضيء للحياة، هذه الشجرة ليست إلا صورة مصغرة لجمال الحياة المليئة بالأمل، هذا الأمل الذي تمثله الأنوار التي تحيط أغصان هذه الشجرة، وتزيدها جمالا خلابا. والجوارب المتدلية من أغصان شجرة الميلاد ليست سوى رمز لخطواتنا التي نمشيها في دروب العمر، وكثيرا ما خبأت هذه الخطوات لنا هدايا صاغتنا أنشودة من فرح، ومباهج أسعدتنا وملأتنا سنابل من رضى. كثيرا ما وقفت أمام شجرة الميلاد وتخيلتها أشخاصا معينين، ربما أحبابا كانوا أو أصدقاء أو أقارب، تخيّلت أن هذه الشجرة صورتهم الرائعة في حياتي، هم هذه الشجرة الوارفة، الخضراء، المنيرة، المحمّلة بهدايا العمر الثمينة والفرح. هم من خبأ لي المسرات في تلك الجوارب الملوّنة خلال مشوار العمر، وأضاءوا ديجور السنين بالآمال المشرقة. تضيق أحيانا الدروب ويغطّيها الشوك، فتجد من يحيل قلبه لك جسرا زاهيا بالربيع والورد لتعبر ذلك الدرب الشائك. تقبض الأحزان بكلتا يديها على مخارج أنفاسك حتى تكاد تموت اختناقا، فيهب أحد أشجار الميلاد تلك لينقذك من براثن الموت، ويعبئ رئتيك بالأكسجين النقي، وتحس وكأنك وُلدت من جديد، يحاصرك الهجير والظمأ لحظة ما، يجفّ ريقك، يزيد السراب مرارا من وطأة غبنك، تشارف الحدود القصوى من اليأس، وإذ بغصنٍ من إحدى أشجار الميلاد تلك يتدلى ليرضعك حليب الفرج، ويملأ جوفك بالماء، شجر الميلاد هؤلاء هم ثروة العمر الحقيقية، بهم نعرف كم نحن أغنياء، أو كم نحن فقراء يكاد يقتلنا العوَز! من لا يملك شجرة ميلاد في عمره هو من يستحق الشفقة والرثاء، من لا يملك شخصا يخبئ له الهدايا في الجوارب المعلّقة على أغصان الشجرة ويزيّنها بالنور، هو من يُحزن عليه ويبكى على حاله، في بداية كل عام ليقف كل منا وقفة مع نفسه ليحصي كم شجرة ميلاد في عمره، ليعرف إن كان غنيّا، أو مجرد متسول شحاذ يقف خلف أبواب الحياة.
توابل - ثقافات
آخر وطن: شجرة الميلاد
07-01-2011