من الكلمات النيرة التي خلدها سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله عبارة "نحن زائلون والكويت باقية" التي تختزل بالفعل معاني غاية في الروعة والواقعية في نفس الوقت، ولكن ومع الأسف الشديد نجد أن هذه العبارة أخذت تمارس على الأرض بشكل معكوس تماماً من قبل البعض، بل جرت معها مجاميع عريضة إما بالتعصب الأعمى وإما بالعاطفة وإما بالفزعة على اختلاف أنواعها.

Ad

فاليوم بعض الممارسات والمواقف والتصريحات أصبح عنوانها نحن الباقون والكويت زائلة سواء بقصد أو من دون قصد أو بلحظات غضب أو انفعالات متضادة أو حتى لمصالح ضيقة ووقتية، وهذا المسلك الخطير لا ينحصر في مجموعة دون سواها وليس الاتهام موجهاً لطرف على حساب طرف، ولا يعني مثل هذا التعميم إمساك العصا من المنتصف بأي حال من الأحوال.

فماذا تعني كلمة الكويت هي الباقية؟ أليست أواصر المحبة والاحترام والتعايش السلمي والمصير المشترك هي متطلبات بقاء الكويت؟ أليس الاستقرار والأمان في ظل التعددية ووجود التباين في الآراء والمواقف من عوامل بقاء الكويت؟ أليست مكونات النسيج المجتمعي بفئاته وطوائفه وقبائله وعوائله وبقائها امتداداً لبقاء الكويت؟ أليس العدل والمساواة والحرية دعامات هذا البقاء؟

وفي المقابل ماذا تعني عبارة نحن الزائلون؟ ألا تعني أن المناصب ومواقع المسؤولية رسمية كانت أم خاصة مآلها الفناء ونهايتها العدم؟ وألا تعني أن وجودنا وحياتنا العمرية رهن بآجال محتومة وأمد محدود طال الزمان أو قصر؟

وإذا كان هذا هو الواقع الحقيقي والمنطق السليم فلماذا إصرار بعض الأطراف والفرقاء على تكريس التمزق الداخلي وتعميق الاصطفافات على منحر السياسة والمواقف السياسية، بل المصالح السياسية ومنها الاستجواب الحالي لسمو رئيس الحكومة، ولماذا تستغل الاستجوابات دائماً وبغرض إنجاحها أو إفشالها إقحام المجتمع برمته في أتونها دون حتى التفكير في عواقب ذلك أو آثاره وجراحاته المستقبلية؟

في الحقيقة هناك تهويل وتخويف ومحاولة "جرجرة" الناس إلى معركة الاستجوابات في كل مرة وليس الاستجواب الأخير سوى تكرار للسيناريو نفسه المتبع في المرات السابقة، ولكن مشكلتنا أننا ننسى بسرعة أو أن العواطف المصاحبة لأي مساءلة تنسينا المحطات التي شهدناها حتى بالأمس القريب.

فمعظم الاستجوابات السابقة وأغلبيتها كانت موجهة للسادة الوزراء لم تسلم من إقحامها بالعمق الشعبي وإلباسها ثياب التمزق الوطني وتخويف الناس منها بأنها تقودنا إلى نفق مظلم أو تسيرها أجندة خاصة، وعلى النقيض فإن الوقوف ضدها كان يفسر بشراء الذمم والمصالح الفردية وبمجرد الانتهاء منها سرعان ما يدفع الفرقاء أعلام الوحدة الوطنية والأخوة الكويتية، لا لشيء سوى أن البعض من الطرفين قد ضمن كرسيه لفترة قادمة بغض النظر عن حجم الألم والجرح الذي أصاب قلوب الناس وحفز فيها روح الكراهية والضغينة.

والاستجواب الأخير سيعبر هذه المحطة أيضا رغم ما ترك وسيترك من آثار وتداعيات مخيفة لدى عموم الشعب الكويتي، ولكن بعدما نطوي هذه الصفحة ترقبوا من جديد ترديد عبارة "نحن زائلون والكويت هي الباقية"!