إيران وصراع القوى الخارقة

نشر في 17-12-2010
آخر تحديث 17-12-2010 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي، لم يكن راضياً قط عن وضع الرئاسة الإيرانية، لا في أثناء فترة ولايته شخصياً كرئيس للبلاد، في الفترة 1981-1989، ولا في أثناء ولاية الرؤساء الذين خلفوه.

والواقع أن التوتر بين الرئيس والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية يكمن في قلب الجمهورية الإسلامية، فالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية يتمتع بسلطة مطلقة ومن حقه أن يعترض على أي قرار يتخذه أي من فروع السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية في الحكومة. وفي الوقت نفسه فإن الرئيس يتم اختياره في إطار عملية انتخابية، ويعمل وفقاً لأجندة وطموحات خاصة به. وفي أثناء فترة الولاية الثانية للرئيس- التي بدأها الآن محمود أحمدي نجاد- فإن التوترات تخرج حتماً إلى ساحة الرأي العام.

إن خامنئي لم يبد أي استعداد على الإطلاق للتسامح مع رئيس يتمتع بقاعدة ضخمة مستقلة من القوة والسلطة، ففي الماضي عمل على تقليم جناحي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان على علاقة قوية بطبقة التجار، ومحمد خاتمي، الإصلاحي الذي استمد الدعم من المهنيين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة من ذوي الميول الغربية. ورغم حصول أحمدي نجاد على دعم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في مواجهة احتجاجات واسعة النطاق على إعادة انتخابه في العام الماضي، فإن خامنئي لا يبدو متردداً فيما يتصل بالحد من سلطات الرئيس.

ويبدو أن المظاهرات الحاشدة ضد أحمدي نجاد كانت سبباً في تأجيل المواجهة بينهما، فقد شارك كل من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والرئيس علناً مع الحشود المدافعة عن شرعية الانتخابات. ولكن وجهات نظر أحمدي نجاد الإسلامية المتطرفة والدعم الذي يتمتع به بين أبناء الطبقة المتوسطة الدنيا من المتدينين الإيرانيين لم تنجح في حمايته من خامنئي.

ففي أغلب الأحوال كان الرجلان يتجنبان المواجهة المباشرة، ولكن الصراع بينهما ملحوظ في مناوراتهما داخل أفرع أخرى من فروع الحكومة، وفي هذه الساحة فإن أحمدي نجاد يدخل في مواجهة مباشرة ضد علي لاريجاني، رئيس البرلمان، وشقيقه صادق لاريجاني، الذي يتولى رئاسة السلطة القضائية الإيرانية. والواقع أن الأخوين لاريجاني كانا من أشد منتقدي الرئيس عنفاً، الذي يتهمانه بتجاهل التشريع والأحكام القضائية الرئيسة، وداخل البرلمان تنقسم كتلة المحافظين بين مؤيدي أحمدي نجاد وأنصار الإشراف البرلماني الكامل على الرئيس. وأخيراً أظهر البرلمان معارضته للسياسات الاقتصادية التي يتبناها أحمدي نجاد حين قرر إعفاء الرئيس من منصبه التقليدي كرئيس للجمعية العامة للبنك المركزي. وهذا من شأنه أن يحد من قدرة أحمدي نجاد على التدخل في السياسات الاقتصادية وأن يمنعه من تعيين محافظ البنك المركزي.

بيد أن تنفيذ هذا القرار يتوقف على موافقة مجلس صيانة الدستور، حيث شنت مجموعة من مؤيدي الرئيس هجوماً مضاداً، وهم يريدون إقناع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بالسماح للرئيس بإصدار تحذيرات لكل من البرلمان والسلطة القضائية إذا ارتأى أن أياً منهما قد تجاوز سلطاته، وبالتالي ينجح في إخضاع الأخوين لاريجاني.

حتى وقتنا هذا، كان البرلمان بمنزلة أداة فعالة يستعين بها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية بشكل مشروع لكبح جماح السلطة الرئاسية، ومن الصعب أن نتخيل أن الأخوين لاريجاني كانا يشنان مثل هذا التحدي السافر لأحمدي نجاد من دون موافقة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، خامنئي. وإذا انتصر الأخوان فهذا يعني أن الرئيس سيخسر سلطته ونفوذه في المنطقة الوحيدة التي كانت سلطته في أوجها: الاقتصاد الإيراني.

وفي المقابل سنجد أن الرئيس لا يتمتع بسلطة كبيرة فيما يتصل بالسياسة الخارجية، الخاضعة للإشراف المباشر للمرشد الأعلى، والمعروف عن خامنئي أنه يطلب المشورة من أطراف مختلفة، ولكنه في النهاية يتخذ القرارات بمفرده، فقد نقض على سبيل المثال عرض التسوية الذي تقدم به المفاوضون النوويون الإيرانيون في أثناء مفاوضات جنيف في أكتوبر من عام 2009. كما عمل على تقليص مكانة وصلاحيات وزارة الخارجية بتعيين عدد من المبعوثين الخاصين في مناطق رئيسة.

ويعتمد خامنئي على أحمدي نجاد في قيادة الدبلوماسية العامة في إيران، فالرئيس يسافر كثيراً ويتحدث كثيرا، ويحشد الدعم السياسي بلغته الخطابية المناهضة للغرب، ولكن الدبلوماسية الشعبية العامة ليست دبلوماسية في حد ذاتها، فمن الواضح ألا أحد في دائرة أحمدي نجاد الداخلية- وليس الرئيس ذاته بكل تأكيد- نجح في اكتساب ثقة المرشد الأعلى، فالملف النووي على سبيل المثال يظل تحت سيطرة خامنئي بشكل كامل.

وفي مجال السياسة الدينية، فإن خامنئي كان يستخدم راديكالية أحمدي نجاد وتطرفه بحرص، ومن المعتقد على نطاق واسع أن الرئيس يتمنى لو يتمكن من الحد من نفوذ رجال الدين وزيادة السلطات التي يتمتع بها الحرس الثوري، الذي يشكل المصدر الرئيس الذي يستمد منه الدعم المؤسسي، وعلى هذا فإن خامنئي يستطيع أن يقدم نفسه بوصفه المدافع عن رجال الدين، الذين يعملون على تعزيز موقفه، في ضوء التشكيك الواسع النطاق في مؤهلاته الدينية منذ تولى السلطة قبل 21 عاماً.

إن رجال الدين يعرفون أن أي ضعف يبديه خامنئي من شأنه أن يسمح لدائرة أحمدي نجاد باستغلال مشاعر الاستياء الواسعة النطاق ضد رجال الدين لاستبعادهم من السلطة. فضلاً عن ذلك فإن أحمدي نجاد يدرك تمام الإدراك أن رجال الدين قد يستخدمون، في غياب القيود التي يفرضها عليهم خامنئي، شبكاتهم السياسية بين المحافظين من أمثال الأخوين لاريجاني للحد من سلطة الرئيس بدرجة أكبر، والواقع أن العداء المتبادل بين أحمدي نجاد وطبقة رجال الدين يمنح المرشد الأعلى القدرة على استغلال الطرفين إلى أقصى الحدود.

إن تاريخ الجمهورية الإسلامية يشير إلى أن الصراع على السلطة بين المرشد الأعلى والرئيس لن يهدأ أبداً، وهو يشير أيضاً إلى أن المرشد الأعلى هو الطرف الأقوى في هذا الصراع دوماً.

والأهم من هذا بالنسبة للمجتمع الدولي أن هذا الصراع الداخلي يمنع قادة إيران من تقييم السياسات الخارجية والنووية للبلاد بشكل واقعي، ففي خضم انهماك هؤلاء القادة في اختبار إرادة الأطراف الأخرى، يصبحون عاجزين عن اتخاذ قرارات دقيقة قائمة على الاطلاع في تعاملهم مع أي جهة خارجية.

Mehdi Khalaji مهدي خلجي

* تدرب كرجل دين شيعي في إيران، وهو كبير زملاء معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top