عادات وتقاليد!
خلال ساعات قليلة نستقبل شهر رمضان المبارك بما تحمل أيامه الفضيلة من نفحات روحية وعتبات وجدانية وتربية أخلاقية، ولست بصدد سرد فلسفة الصيام والأعمال والعبادات المتصلة بهذا الفرض الإلهي، لأنه مهما قيل في هذا الجانب لا يمكن أن يعبر عما يختلج في قلب وجوارح الإنسان الصائم بحق وحقيقة.وقد ارتبطت الشعوب الإسلامية بعبادات وتقاليد تلازمت مع أجواء شهر رمضان المبارك لها نكهة مميزة وطعم جميل، قد لا يُذاق في سائر الأيام، ومن هذه الطبائع صفاء القلوب وارتفاع مستوى الشفافية، الأمر الذي يتحول إلى المزيد من التواصل الاجتماعي والتزاور وحل الخلافات وحسم المشاكل والقول اللين، وأخيراً الدعاء المتبادل بالخير وقبول الأعمال والطاعات.
وتميز الشعب الكويتي بجملة من العادات والتقاليد الطيبة في الشهر الفضيل على امتداد تاريخه، ولعل التواصل والتراحم والعبادات المشتركة المتمثلة في الصلوات المندوبة والأدعية الرمضانية من أبرز مظاهر هذه الأعراف، وتستمر وشائج هذا الترابط على شكل اللقاءات والأمسيات الودية وتناول وجبات الفطور والسحور والغبقات الجماعية، وتقديم الوجبات والطبخات الرمضانية للجيران والأصدقاء والأحبة وإن بعدت المسافات في ما بينهم.ولكن هذه العادات والتقاليد يبدو أنها في الطريق إلى الانحسار والتراجع، وياليت الأمر قد توقف عند هذا الحد ولم يتطور نحو الأسوأ والأخطر، فما نراه اليوم من صور التعبئة والتحريض والنفخ في روح الكراهية بين شرائح المجتمع الكويتي فاق كل التصورات وتجاوز ليس فقط حدود العادات والتقاليد، بل وصل إلى حد "العيب" بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فضلاً عن الانتهاكات القانونية لخصوصية الأفراد والجماعات، وهذا بحد ذاته تهديد لقواعد الاستقرار الأمني والاجتماعي في الدولة. فمتى وصل بنا الأمر ككويتيين أن نقحم أعراضنا وجذورنا العرقية في أتون الصراعات السياسية والخلافات حول القضايا العامة مهما بلغت درجة التفاوت في وجهات النظر حولها؟ ومتى كان انتهاك حرمة المساكن وأهلها، خصوصاً النساء، يُستغل كمادة إعلامية بغرض التشهير والاستهزاء وتصفية الخلافات؟ ولماذا أصبحت الوثائق والأوراق الرسمية بما تحمل من أسرار شخصية وبيانات سرية وخاصة، مدعاة للتداول العام بهدف التجريح والاسقاط؟ وماذا يستفيد عموم الناس من جرهم خلف مثل هذه المسرحيات الهزلية والمريضة؟نعم قد يكون هذا أحد مظاهر واقعنا المؤسف اليوم، ولكن ما نخشاه هو استمرار واستفحال هذا المنظر المخزي خلال أيام وليالي شهر رمضان الفضيل، وفي وقت تنتشر وسائل الإعلام من صحافة وقنوات فضايئة ومواقع الإنترنت إضافة إلى كثافة اللقاءات والمناسبات الاجتماعية، خصوصاً أن هناك العديد من الناس، وبحجة قتل الوقت، يتسمرون أمام شاشات التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر وصفحات الجرائد، ويقضون معظم أمسياتهم في الدواوين.فهل هذه الممارسات هي تجسيد لمعاني التواصل والتراحم وتبادل الأطباق الرمضانية والانشغال بمجالس الذكر والخير؟ وهل هذا هو الامتداد التاريخي للعادات والتقاليد التي نتباهى بها دائماً أمام الغير؟نسأل الله أن يلهمنا التقوى، وأن يجعلنا ممن تصوم جوارحهم وعقولهم وأخلاقهم قبل بطونهم على الأقل في رحاب شهر رمضان الكريم... اللهم آمين!