قامت وسائل الإعلام العربية بتغطية واسعة للمعلومات المسربة أخيراً عن موقع «ويكيليكس» بشأن اختلاف الرأي الذي يعبّر عنه قادة الدول الخليجية، في مجالسهم العلنية والخاصة، تجاه إيران، لكن الكشف عن هذه المعلومات لم يؤدِّ إلى أي تحول في السياسات المعتمدة ولا إلى أي توترات داخلية في الدول العربية الخليجية، بالتالي، يتعين على المسؤولين الأميركيين أن يعززوا سياسة الضغط لتشكيل مجموعة إقليمية قوية تتعاون لكبح طموحات إيران.

Ad

منذ انتشار قصة «ويكيليكس» في أواخر نوفمبر، رفض متحدثون رسميون مختلفون باسم الدول الخليجية تأكيد تعليقاتهم العدائية التي صرحوا بها في مجالسهم الخاصة ضد إيران، ولكنهم لم ينكروها أيضاً، ولم تعمد وسائل الإعلام العربية إلى التعتيم على هذه الأخبار، كما ادعى بعض المحللين الغربيين، مع أن الصحافة شبه الرسمية في معظم البلدان لم تُعِرْ الأمر اهتماماً شديداً، لكن يمكن الوصول بسهولة إلى هذه الأخبار عبر الإنترنت والصحف العربية والقنوات التلفزيونية الفضائية التي وفّرت تغطية ضخمة للحدث مع التعليق المُسهَب عليه. تعترف معظم وسائل الإعلام العربية (باستثناء الصحف السورية شبه الرسمية والأطراف الموالية لـ»حزب الله» في الصحافة اللبنانية) بصحة معلومات «ويكيليكس»، على عكس وسائل الإعلام الإيرانية التي اتخذت موقفاً دفاعياً، مدعيةً أن الوثائق المسرّبة هي جزء من مؤامرة شريرة.

ردود الفعل الرسمية

من بين دول مجلس التعاون الخليجي الست (قطر، سلطنة عمان، المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، الإمارات العربية المتحدة)، أبدت الدول الأربع الأخيرة تعليقات رسمية علنية عن قضية «ويكيليكس»، مع الحرص على الأمور الآتية: تجنب الملاحظات المباشرة بشأن الوثائق الدبلوماسية، و»إعادة التأكيد» على دعم الدبلوماسية والحوار لحل الخلاف النووي الإيراني، والاعتراف بحق إيران بالحصول على طاقة نووية سلمية تزامناً مع الرفض الضمني (أو الصريح أحياناً) لتصنيع وقود نووي للأسلحة. عبر أحد المتحدثين السعوديين عن قلة اهتمامه بالمعلومات المسربة، على الرغم من زعم التقارير بأن بلاده تكن عدائية واضحة لإيران بحسب الوثائق السرية. فأعلن أن «تلك الوثائق لا تخص المملكة العربية السعودية، إذ لطالما كانت سياسات المملكة ومواقفها واضحة». ثمّ علّق متحدث سعودي آخر على الأمر قائلاً إن الملك عبدالله لم يطلب يوماً من الولايات المتحدة قصف إيران.

على صعيدٍ آخر، أصر متحدث باسم البحرين على دعم بلاده الدائم لخطوة الحصول على طاقة نووية لأغراض سلمية، مع الحرص على العيش في شرق أوسط يخلو من أسلحة الدمار الشامل. ورفض وزير الخارجية البحريني الشيخ أحمد الخليفة، في مؤتمر صحفي مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التعليق على الوثائق المسربة على اعتبار أنها «ملك لحكومة الولايات المتحدة، وقد سُرّبت بطريقة تُعتبر غير قانونية». لكن بحسب قول الشيخ أحمد، صحيح أن سياسة البحرين تقضي بدعم الحق بالحصول على الطاقة النووية لأغراض سلمية، غير أن «استغلال تلك الطاقة وتطويرها بهدف تصنيع أسلحة نووية هو أمر لا يمكن أن نقبله مطلقاً ولا يمكن التعايش معه في المنطقة». لكن لم يتم التدقيق بهذا التعليق في وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية.

كذلك، أعلن وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش أن الوثائق المسربة تمثل «وجهة نظر الأميركيين وأن بعض التعليقات نُقلت خارج سياقها الحقيقي». خلال مؤتمر أمني عُقد أخيراً في المنامة، اقترح وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان ضرورة التوصل إلى حل إقليمي في الشأن الإيراني، وضرورة أن تؤدي دول مجلس التعاون الخليجي دورها في هذه المفاوضات. سرعان ما شدد الشيخ عبدالله لاحقاً على أن إيران تملك الحق في الحصول على طاقة نووية سلمية، ولكنها تحتاج إلى الاعتراف بحقيقة برنامجها النووي أمام المجتمع الدولي. ومن جانبه صرح أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح خلال المؤتمر بأن الحوار هو الطريقة المثلى للتوصل إلى حل سلمي للأزمة النووية.

في المقابل، تحافظ سلطنة عمان على صمتها المعهود، مع أن إحدى الوثائق المسربة توضح أنّ السلطان قابوس بن سعيد يدرك جيداً ميل إيران إلى تحدي العالم وأهمية الدور الأميركي الجوهري في الحفاظ على أمن الخليج العربي.

ويتضح موقف قطر، التي تربطها أفضل العلاقات مع إيران مقارنةً بمعظم الدول الأخرى، من خلال ملكيتها لقناة «الجزيرة» الفضائية التي تبث الأخبار باللغتين العربية والإنكليزية، إلى جانب مواقع إلكترونية تابعة لها. عرضت القناة قضية تسريبات «ويكيليكس» إما بهدف تعديل موقفها تجاه إيران وإما بهدف إحراج خصومها والولايات المتحدة. وقد فعلت ذلك، استناداً إلى تحليل مضمون الأخبار على مواقعها الإلكترونية، من خلال تسليط الضوء على بعض جوانب القصة دون سواها.

تغطية إعلامية واسعة على قنوات تلفزة عربية

بزوايا مختلفة

عرضت قناة «الجزيرة» 76 مقالة وافتتاحية على الأقل من موقع «ويكيليكس» على موقعها الإلكتروني العربي بين 25 نوفمبر و9 ديسمبر. حتى أنها خصصت رابطاً للولوج إلى موقع «ويكيليس» في صفحتها الرئيسة، وقد ركز حوالي 20% من تقارير «الجزيرة» في هذا المجال على المشاكل الأميركية مع «ويكيليكس»، بينما كانت 40% من التقارير تتعلق بموقع «ويكيليكس» نفسه وبالمشاكل القانونية التي يواجهها مؤسسه. في المقابل، لم تسلط التغطية الإعلامية الضوء على البُعد العربي للقضية، ويبدو أن معظم تلك المعلومات تهدف إلى إحراج القادة العرب من خلال ذكر دعواتهم إلى توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وروابطهم بإسرائيل، وتعاونهم مع الولايات المتحدة.

وكان من الملاحظ أن «الجزيرة» لم تذكر شيئاً عن الوثيقة المسربة التي تشير إلى أن قطر قد تسمح بشن هجوم أميركي ضد إيران انطلاقاً من أرضها مقابل اتفاقات أمنية. وهي لم تأتِ أيضاً على ذكر رئيس الوزراء القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي وصف علاقته بالإيرانيين بعبارة «هم يكذبون علينا ونحن نكذب عليهم» وكلمة «ردع» محاولات إيران الهادفة إلى توسيع روابطها مع قطر. لكن «الجزيرة» لم تتوانَ عن ذكر إحدى الوثائق التي شملت انتقاد أحد المسؤولين الإسرائيلين للقناة واتهامها بالتعاطف مع إيران.

أما الوسيلة الإعلامية العربية الشهيرة الأخرى، فهي قناة «العربية»، مقرّها دبي، وقد أسستها المملكة العربية السعودية لتنافس قناة «الجزيرة» مباشرةً. عرضت «العربية» مقالات أقل بكثير من «ويكيليكس» على موقعها الإلكتروني باللغة العربية بين 25 نوفمبر و9 ديسمير. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل ما مجموعه 49 موضوعاً، أي بمعدل أكثر من ثلاثة مواضيع يومياً، لكن كانت تغطية «العربية» مختلفة عن غيرها، فقد ركّزت على المشاكل الأميركية بنسبة 30% وعلى موقع «ويكيليكس» ومؤسسه بنسبة 20%.

وفي إحدى الحوادث غير المألوفة، ذكرت «العربية» أن قطر دعمت سراً شن هجوم أميركي ضد إيران مقابل الحصول على الحق الحصري بتطوير حقل غاز تتشاركه الدولتان، وهو خبر يتخطى ما ذكرته الوثائق المسربة. كذلك، نقلت «العربية» أن المملكة العربية السعودية والبحرين طلبتا من الولايات المتحدة اتخاذ موقف صارم من إيران، وهي عبارة مخففة للنصيحة المزعومة التي قدّمها الملك السعودي حين قال «يجب قطع رأس الأفعى». وفي 13 ديسمبر، عرضت «العربية»، على خلاف الجزيرة، خبراً عن إقدام قائد المعارضة الإيرانية، مير حسين موسوي، على اعتبار أن «ويكيليكس» يفضح أخطاء قيادة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

الصحف العربية تتعامل مع المعلومات

على طريقتها الخاصة

صحيح أن معظم الصحف الوطنية العربية البارزة أو شبه الرسمية لم تخصص تغطية واسعة لفضائح «ويكيليكس»، لكن تولت الصحف العربية الواسعة الانتشار والمتمركزة في لندن مهمة سد ذلك الفراغ، مع عرض نسخ إلكترونية عنها. على سبيل المثال، عرضت صحيفة «الشرق الأوسط»، الواسعة الانتشار والممولة من المملكة العربية السعودية، 104 مقالات وافتتاحيات على الأقل على موقعها الإلكتروني بشأن قضية «ويكيليكس» بين 25 نوفمبر و9 ديسمبر. ووردت المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة مع «ويكيليكس» في 27% من مقالاتها عن هذا الموضوع، تليها تحليلات عامة عن وسائل الإعلام والسياسة الدبلوماسية بنسبة 19%.

إلى جانب القطب السياسي المعارِض للصحف النافذة المتمركزة في لندن، تبرز صحيفة «القدس العربي» التي تتبع خطاً متطرفاً وموالياً لـ»حماس» عموماً. ركزت هذه الصحيفة أيضاً على نقل التقارير والمقالات المتعلقة بموقع «ويكيليكس»، لكن من زاوية مختلفة تماماً. ويتضح الاتجاه الذي تبنته الصحيفة في مقالة كتبها رئيس التحرير في 9 ديسمبر: «تحدث بعض (القادة العرب) عن تشكيل قوى عربية لضرب حزب الله، بينما طالب آخرون بقطع رأس الأفعى الإيرانية... ولكننا لم نرَ ولو وثيقة واحدة، حتى الآن على الأقل، تشير إلى غضب المسؤولين العرب (وتحديداً في الدول المعتدلة) من وجهة النظر الأميركية أو الإسرائيلية». من خلال التأكيد على مصداقية معلومات «ويكيليكس» وذكر تفاصيل مماثلة، تختلف هذه الصحيفة عن نظيراتها، سواء في سورية أو لبنان أو إيران. فقد عمدت جميع الصحف في تلك البلدان إلى التقليل من أهمية الوثائق المسربة باعتبارها أكاذيب أو عوامل استفزازية من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل، ولكنها حرصت على عدم إعادة نشر أيٍّ من التفاصيل المتعلقة بالتوترات العربية الإيرانية أو غيرها من الاضطرابات الإقليمية.

اهتمام عربي هائل على الإنترنت

فضلاً عن التغطية الإعلامية الواسعة في الصحافة العربية والقنوات المتلفزة الفضائية، تشهد حركة البحث على الإنترنت عن معلومات «ويكيليكس» نشاطاً كبيراً جداً في عدد من الدول العربية المهمة، سواء باللغة العربية أو باللغة الإنكليزية على وجه الخصوص. على سبيل المثال، تضاعف عدد عمليات البحث المتعلقة بـ»ويكيليكس، باللغة العربية، عبر محرّك «غوغل» في المملكة العربية السعودية، اعتباراً من 9 ديسمبر، خلال أسبوع واحد. كذلك، ارتفعت نسبة البحث، في المملكة العربية السعودية، عن كلمة «ويكيليكس» باللغة الإنكليزية بنسبة 500% في الشهر الماضي، ما جعلها ثاني أشهر كلمة بحث خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة. في الإمارات العربية المتحدة، ارتفعت نسبة البحث في الإطار نفسه، خلال الشهر الأخير، إلى حدّ أن محرك «غوغل» لم يقدم رقماً محدداً يعبّر عن هذا الارتفاع الهائل.

خلاصة

بغض النظر عن المستقبل القانوني لموقع «ويكيليكس» ومؤسسه جوليان أسانج، يبدو أنه لا مفر من تسريبات إضافية، تشكل هذه القضية مصدر إحراج بالنسبة إلى سرية العلاقات الدبلوماسية الأميركية وكارثة حقيقية على مستوى أمن الاتصالات، لكن في ما يخص الدول العربية الخليجية، يشكل هذا الوضع فرصة للسياسة الأميركية كي تدعم معارضتها لإيران، وعلى واشنطن أن تستغل هذه الفرصة فوراً!

David Pollock

* أحد كبار المسؤولين في معهد واشنطن، متخصص بالرأي العام والتحليل الإعلامي وقضايا أخرى ذات صلة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموماً. وهو يوجه شكره لمساعده في الأبحاث أندرو أنجل بسبب مساهمته القيمة في كتابة هذه المقالة.