تسارع الأحداث في الأيام الأخيرة، على خلفية التحقيقات في جريمة مقتل المواطن المطيري بيد بعض رجال المباحث في مخفر الأحمدي في أثناء التعذيب، قد كشف عن الكثير من الأوراق التي كانت مطوية ومخفية في وزارة الداخلية، وأظهرت لعموم الناس، وقبلهم لوزير الداخلية نفسه، وهو الذي غُرِّر به وضُلِّل في بداية هذه القضية، كيف أن هناك الكثير مما يستحق الانتباه والمسارعة بالعلاج والإصلاح بل العقاب، وكيف أن مسؤولي وزارة الداخلية أنفسهم، لا يعملون في واقع الأمر كأفراد في فريق واحد، بل هم في الحقيقة تكتلات من المحسوبيات والتنافس والتنافر، وتكتلات في مواقع الإشارة إلى بعضهم بعضا بأصابع الاتهام، بل السخرية، كمثل حين قال اللواء الشيخ علي اليوسف رئيس الإدارة العامة للمباحث الجنائية عن الناطق الرسمي لوزارة الداخلية العميد محمد الصبر بأنه لا يعرف يتحدث، ولا يعرف ينطق، وأنه فقط «قرقة» على الفاضي!

لكن هذه الحركة المتتابعة والجلبة الشديدة الواضحة جدا في أروقة وزارة الداخلية هذه الأيام، هما في رأيي مؤشر إيجابي، فعلى الرغم من أن البعض يقول إن هذا لم يكن ليكون لولا قتل المطيري، فإنني مع ذلك سأقول إنك إن تصل متأخرا خير من ألا تصل أبدا. ما يجري هو أمر طيب حتى إن كان متأخرا جدا، وحتى إن احتاج أن يذهب مواطن بريء ضحيته.

Ad

نعم صحيح، بأن دم المطيري الذي استبيح غدرا لن يعوضه شيء عند أهله وذويه، وأقصى العقوبات في حق المجرمين قاتليه ومعها كل أموال الدنيا، لا تساوي عندهم بقاءه حيا بينهم، لكنه قضاء الله وقدره، ولا راد لحكم الله.

وأنا، وإن كنت ممن طالبوا بإمضاء استقالة وزير الداخلية، الشيخ جابر الخالد، فلست ممن يريدون رأسه بشخصه، ويجب ألا يوجه ما يجري ليكون في مظهر الخصومة الشخصية له مباشرة، بل كل ما هنالك أن الخلل الذي جرى كان فادحا جدا، وإن كانت هناك أشياء تستحق أن يقدم الوزراء استقالاتهم لأجلها اعترافا بمسؤوليتهم السياسية عنها، فإن الجريمة التي حصلت هي من هذه الأشياء ولا شك!

كما أني كذلك لست مع أولئك المستعجلين لوضع الوزير الخالد على منصة الاستجواب في أقرب وقت، بل أميل إلى إعطائه الفرصة لإجراء حزمة الإصلاحات العاجلة واللازمة في وزارته، بعدما انكشف الغطاء عنها على إثر ما حصل، وما أتمناه فعلا أن تصبح حركة الزيارات المباغتة، وموجات المراقبة في وزارة الداخلية والتي شاهدناها في الأيام الأخيرة، نظاما إداريا ثابتا من ضمن الإجراءات المتبعة دوما وفق قواعد واضحة، لا أن تكون مجرد انتفاضة مؤقتة وإفاقة مرحلية، جاءت لذر الرماد في العيون، ولتخفيف حنق الناس، وتسكين نقمتهم عما جرى!

يجب أن تحصل هزة صارمة ومراجعة شاملة لكل النواحي المرتبطة بقضية المطيري، مما تكشف قصوره، ومما لعله لا يزال خافيا، والمقترحات التي طُرِحت في هذا الصدد خلال الأيام الماضية كثيرة ومتنوعة جدا ويمكن الاستئناس بها، كما أن التجارب العالمية المميزة في مجال ضمان كفاءة التحقيقات الأمنية ونزاهتها، وكيفية مراقبتها ومتابعتها متاحة ويمكن الوصول إليها.

يا وزير الداخلية: إن الناس ترصد ما تقوم به من إجراءات، والعقلاء يدركون أن القضية التي بين يديك قضية إنسانية إدارية عملية، في مقامها الأول، قبل أن تكون قضية سياسية محضة، أو حلقة من حلقات الصراع السياسي. ضع هذا في اعتبارك، وثق تماما أن الكل سيصفق لك ويشيد بك في نهاية المطاف حين تحق الحق وتتخذ الإجراءات السليمة، بغض النظر عما ستؤول إليه نتيجة المساءلة السياسية!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة