أمر جوجي بإخلاء جرجانية من الأهالي وخروجهم إلى الصحراء، ثم قسم الرجال على الجنود لتنفيذ أبشع المجازر فيهم، فكان نصيب كل جندي قتل 24 رجلا، حتى قضوا عليهم جميعاً بالسيوف والسهام والمعاول والخناجر، ولم يبقَ من سكان المدينة سوى الأطفال والنساء، فأخذوهم إماء وعبيداً لأمراء المغول وقادتهم.

Ad

انشغل المغول بعد هذه المذبحة بعمليات السلب والنهب وهدم ما تبقى من المنازل، ثم توجّوا أعمالهم التخريبية بفتح سدود نهر جيحون، لأن بعض الأهالي اختبأ في السراديب والخنادق السريّة، ففاضت المياه وأغرقت المدينة ودخلت السراديب والخنادق، وبلمح البصر اختفت مباني المدينة تحت أوحال من الطين.

بعد ذلك مباشرة تقدم جوجي نحو مدينة ترمذ (بلد الإمام أبو عيسى محمد الشهير بالترمذي تلميذ البخارى وصاحب المؤلف الشهير سنن الترمذي) الواقعة على الضفة الشرقية لنهر جيجون (جنوب أوزبكستان حالياً)، ولما رفض سكانها الاستسلام، انهالت قذائف المغول النارية على حصونها ومبانيها، وبعد 11 يوماً اقتحموا أسوارها ودخلوا المدينة بوحشيتهم وخربوا وسلبوا ونهبوا، كعادتهم ساقوا السكان إلى خارج المدينة ووزعوهم على الجنود ليبيدوهم عن آخرهم.

حدث أن أحد الجنود، عندما رفع سيفه على امرأة ليقتلها، صاحت فيه تسترحمه ألا يقتلها حتى تخرج له لؤلؤة كبيرة خبأتها، فلما سألها عن مكانها قالت إنها ابتلعتها، فما كان من الجندي إلا أن شق بطنها، وهي حية، ثم أخرج اللؤلؤة. انتشر الخبر سريعاً بين جنود المغول فظنوا أن الأهالي خبأوا الجواهر في بطونهم، ولما علم جنكيز خان بذلك أمر الجنود بشق بطون السكان، الأحياء والموتى، فدار الأوغاد بسيوفهم على أهالي ترمذ وشقوا بطونهم بحثاً عن الجواهر.

جرائم يندى لها الجبين

عبر جنكيز خان بجيشه نهر جيحون قاصداً مدينة بلخ، وكانت إحدى أكبر مدن خراسان، اكتسبت أهميتها التجارية لوقوعها على أحد الممرات التجارية المهمة في وسط آسيا، وكانت عامرة بمبانيها ومساجدها (1200 مسجد كبير بخلاف المساجد الصغيرة)، وتنتشر فيها الأسواق والحمامات والفنادق، إنما لم تكن أسوارها وحصونها بالقوة التي تمكنها من الصمود أمام المغول، لذا استسلم سكانها لدى وصول المغول إلى مشارفها.

رفض جنكيز خان هذا الاستسلام لا سيما بعدما بلغه ظهور السلطان جلال الدين منكبرتي في إقليم خراسان والتفاف الناس حوله، فخشي أن تكون المدينة حصناً يلجأ إليه أعداؤه لذا رفض العرض وطلب من السكان أن يخرجوا إلى ظاهر البلد بغرض إحصائهم.

كعادة المغول الوحشية، قسموا السكان إلى مجموعات، فقتلوا بعضهم بالسيف والبعض الآخر بالسهام وآخرين بالبلط والفؤوس والمعاول، ثم دخلوا المدينة وأحرقوها عن آخرها، بمساجدها وقصورها ومنازلها، وبعدما حولوها إلى رماد خرجوا منها إلى بشاور، لكنهم عادوا إلى بلخ ثانية وبشكل مفاجئ، فقتلوا كل من خرج من المخابئ في الآبار والسراديب والخزائن ولم يتركوا فيها نفساً واحدة على قيد الحياة.

يصف الجويني في كتابه «تاريخ فاتح العالم»، ما حدث في بلخ قائلا:

«وما فعلوه من تلاعب وابتكارات في القتل والذبح وما أجروه من كوارث، لا يصدقه عقل بشري على مدار الأيام، ومن فعلهم هذا زلزلت خراسان وولول أهلها لما سمعوه أو شاهدوه».

بعد استيلاء المغول على مدينة بلخ، ترك جنكيز خان باقي مدن الإقليم لابنه تولوي ليستولي عليها واتجه نحو مدينة طالقان لتأمين أملاكه وحماية ظهر قواته والقضاء على ما تبقى من قوى تابعة للإمبراطورية الخوارزمية.

كانت طالقان قاعدة طخارستان، أحد أقاليم خراسان، تقع بين مدينتي بلخ ومرو وتتميز بأسوارها وحصونها القوية والمنيعة. رفض سكانها عروض رسل الخاقان بالتسليم، فحاصرها المغول على مدى أشهر سقط خلالها مئات القتلى في صفوف الجانبين، وبقي الأمر كذلك حتى انضم تولوي بجيشه إلى القوة التي تحاصر المدينة بعدما استولى على باقي مدن خوارزم، فتفوّق الجيش المغولي على حامية طالقان وسكانها واجتاحها وتفنن في ابتكار أساليب القتل والتعذيب التي مارسها على السكان ولم تبقَ في المدينة روح آدمية واحدة ولا حجر فوق حجر، بل صارت رماداً كأن لم يكن في المكان عمائر وحدائق وبساتين وبشر يمارسون مظاهر الحياة.

غدر لا مثيل له

جاء دور مدينة نسا التي ينسب إليها أبو عبد الرحمن النسائي، صاحب التصنيف الشهير في الحديث «سنن النسائي»، ومحمد بن أحمد النسوي، صاحب كتاب «سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي»، وكانت المدينة واحة غناء وسط الصحراء، تنتشر فيها الحدائق والبساتين وتغطي الأزهار أبوابها العشرة.

استمرّ حصار المغول مع الهجوم 15 يوماً، خارت خلالها قوى المحاصَرين وتمكن المغول من فتح ثغرة في سور المدينة وتسلقه والسيطرة عليه، عندها اختبأ السكان في منازلهم يسيطر عليهم الرعب مما سوف يفعله بهم هؤلاء، ثم دخل المغول المدينة وأمروا سكانها بالخروج، وكان النسوي ممن عاشوا رعب ذلك اليوم وكُتب له النجاة، إذ تمكن من الفرار من المذبحة ولجأ إلى قلعة «مرح سائغ» التي كانت ملكاً لعشيرته، وكانت محصنة تحصيناً قوياً وتقع على أحد الجبال الشاهقة، ولما عجز المغول عن اقتحامها عرضوا على السكان مقابل رفع الحصار عنهم 100 ألف لباس من القطن وأشياء أخرى، وافق النسوي على ما طلبوه، لكن تجلت المشكلة في من سينقل هذه الأغراض إلى المغول خوفاً من غدرهم، فتقدم رجلان مسنان للقيام بالمهمة الخطيرة، ودَّعا أولادهما وأهلهما وتوجها ناحية المغول وبعدما سلما ما اتفق عليه حدث ما كان يخشاه الجميع، إذ قتلهما المغول بعد استلامهم القافلة.

كانت المحطة التالية للمغول في زحفهم الجنوني على بلاد المسلمين، مدينة مرو، التي كانت مقراً للسلاطين السلاجقة في ما مضى، وكانت تدعى مرو الكبرى، أو مرو الشاهجان ومعناها مرو السلطانية، كونها مقر السلطان، أسسها اليونان ثم استولى عليها الفرس وفتحها الأحنف بن قيس في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه) سنة 31 هـ (651م) وقتل فيها يزدجرد الثالث آخر ملوك الفرس وحفيد كسرى أنوشروان، وكانت وقت اجتياح المغول لها من أكبر مدن الأرض.

أرسل جنكيز خان جيشاً جراراً بقيادة ابنه تولوي إلى مرو، فعسكر هذا الأخير أمام أسوارها بجيش قوامه 70 ألف جندي (بعض المصادر قال 200 ألف جندي)، وكان ذلك في أول محرم سنة 618هـ (24 فبراير 1221م)، وبقي ستة أيام يدور برفقة كبار قادته حول السور لتفقد مواطن الضعف فيه، وفي أثناء ذلك شن المدافعون عن المدينة هجومين من منافذ لم ينتبه إليها المغول، وعندما عثروا عليها تصدوا لها، فسدّت السبل كافة أمام المدافعين ولم يعد باستطاعة أحد داخل المدينة الخروج منها.

لم يكن أمام أهل المدينة من سبيل غير التسليم، فأرسل مجير الملك، حاكم المدينة، الإمام جمال الدين أحد كبار أئمة مرو إلى تولوي يطلب منه الأمان، فطلب منه أن يحضر حاكم مرو بنفسه، فخرج مجير الدين بنفسه يحمل الهدايا إلى تولوي، ولما مثل بين يديه قال له تولوي: «أريد أن تعرض عليّ أصحابك حتى ننظر من يصلح لخدمتنا استخدمناه، وأعطيناه إقطاعاً ويكون معنا»، صدقه الحاكم وأرسل إلى كبار معاونيه ووزرائه وقادة الجيش لحضور اجتماع مهمّ مع ابن جنكيز خان، فلما تمكن منهم التتار قيدوهم بشكل مهين، ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمة بأسماء التجار وأصحاب الأموال في مدينة مرو، وفي قائمة أخرى أسماء أصحاب الحرف والصناعات المهرة، وأمروا بإحضار كل من جاء اسمه في القائمتين.

بعد ذلك جلس تولوي على مقعد من ذهب أمام خيمته الشاهانية وسط أحد الحدائق، وأمر مساعديه أن يأتوا له بحاكم المدينة وكبار معاونيه والوزراء وكبار القادة ويقتلوهم أمام عامة أهل البلد، وتم قطع رؤوسهم بالسيف على مرأى من أهل المدينة الذين كانوا يرتعدون رعباً من مدى وحشية هؤلاء القوم، من ثم أمر بإخراج أصحاب الأموال وتعذيبهم حتى يعترفوا بثرواتهم، فكان بعضهم يموت من التعذيب إذ لم يكن لديه ما يجعلهم يقنعون به ويصدقونه، ثم أمر بأن يقتل أهل البلد. هكذا فنيت مدينة مرو على أيدي المغول، كما فنيت على أيديهم ممالك ودول.

انتقام رهيب

كان توقو تشار اتجه إلى نيسابور عاصمة إقليم خراسان، وكانت في أوج ازدهارها، تأتيها المياه عبر 12 قناة لتسقي الحدائق والبيوت، سبق أن فتحت أبوابها لجوجي وسابوتاي خلال تعقبهما السلطان علاء الدين، وخضعت خضوعاً إسمياً للمغول، لكن توقو تشار أراد أن يستولي عليها عنوة، فوصل مشارفها في منتصف رمضان عام 617هـ، على رأس قوة من 10 آلاف مقاتل، ودارت مناوشات مع السكان دامت أكثر من شهر، ثم اشتدت المعارك وقتل توقو تشار بسهم أطلقه أحد المدافعين عن المدينة ( وقالت رواية أخرى إن سبب موته سقوط أحد المتاريس عليه)، فأرسل نائبه نوركاي نوين الخبر إلى تولوي الذي كان يحاصر مرو، ثم أمر نوركاي برفع الحصار إلى حين وصول تولوي بجيشه.

توجه تولوي إلى نيسابور وهو يحترق شوقاً للانتقام من أهلها الذين قتلوا زوج أخته توقو تشار، أدرك الأهالي أن انتقام المغول سيكون رهيباً فتأهبوا للدفاع عن أنفسهم حتى الموت، ونشطوا في تخزين الحبوب والغلال، وعملوا على تقوية الأسوار والحصون، كذلك جددوا دفاعاتهم ووضعوا 3 آلاف من آلات قذف الحراب و300 منجنيق حملوا إليها الحجارة من مسافات بعيدة و500 آلة لرمي النفط المحترق.

في يوم الثلاثاء 12 من صفر سنة 618 هـ (6 أبريل 1221م) هاحم المغول نيسابور من كل ناحية، فتسلق حوالى 10 آلاف مقاتل الأسوار، وفتحت آلات دكّ الأسوار ثغرات، تدفقوا منها كالوحوش الكاسرة، وبعد ثلاثة أيام من المعارك المستمرة تمكن المغول من المدينة.

كان يوم الثأر، دخلت ابنة جنكيز خان أرملة توقو تشار المدينة يرافقها 10 آلاف جندي، فقتلوا كل من يقابلهم وعلى مدى أربعة أيام حتى أتوا عليهم جميعاً، وبلغت ذروة التشفي بالمسلمين عندما أمر تولوي بقطع رؤوس القتلى وفصلها عن أجسادهم، بعد ذلك جاءه من أخبره أن الأهالي طالتهم ضربات السيوف لكنهم لم يموتوا، فرصّ المغول الجثث على شكل أهرامات، فجعلوا هرماً لجثث الرجال، ثانياً لجثث النساء، ثالثاً لجثث الأطفال الأبرياء الأطهار، ثم أمر تولوي بهدم المدينة عن آخرها، فلا يجعلوا فيها حجراً فوق حجر وبلغ عدد قتلى نيسابور مليون و740 ألف شخص.

بعد تدمير نيسابور، لم يبق لهم من مدن خراسان المهمة إلا هراة، تقع جنوب شرق نيسابور (من مدن أفغانستان اليوم)، ولم تكن أحسن حظاً من سابقاتها من المدن التي دمرها المغول، فحاصروها وسقطت بعد ثمانية أيام، ثم لقيت المصير نفسه الذي لقيته مدينتا مرو ونيسابور أي قتل رجالها وسبيت نساؤها ثم أُحرقت.

في تلك الأثناء، انتقل جنكيز خان من بلخ إلى طالقان ثم اتجه إلى باميان، فقرر أهلها عدم التسليم والمقاومة حتى آخر رجل، قاتلوا المغول قتالا شديداً ولقي حفيد جنكيز خان موتوجن بن جفتاي مصرعه بسهم من الأهالي وكان من أحب الأحفاد إليه، فهاج جانكيز خان وتحوّل معه المغول إلى وحوش ضارية وفتكوا بالمدينة وقضوا حتى على الدواب والماشية، ولم يأسروا منها أحد قط بل قتلوهم عن آخرهم، وتركوها أرضا قفراً لا يسكنها أحد وأطلقوا عليها اسم «ماو باليغ» أي مدينة البؤس.

جلال الدين منكبرتي

مضى سيف المغول في بلاد المسلمين كما تمضي السكين في الزبد، فقد عبروا الأنهار وتسلقوا الجبال وخاضوا المفازات، ثم استولوا على حواضر الإسلام ومدنه الكبرى في وقت قصير وأفنوها من الوجود، وكان المسلمون ينظرون إلى المغول على أنهم غضب الله ونقمته عليهم، فلم يكن يكتفي هؤلاء بالاستيلاء على المدن وإخضاعها، بل كانوا يقتلون سكانها ثم يدمرونها ويحرقونها في سابقة لم تتكرر في التاريخ الإنساني، وكانت تسيطر عليهم رغبة قاهرة في التخريب والتدمير وفي القتل وإراقة الدماء بلا أي مبرر.

كان صيف عام 1221 قد حلّ وسنوات العمر تجري بجنكيز خان، فقد بلغ منتصف العقد السابع من عمره مع ذلك استمرّ في مهامه الشاقة يستقبل كل يوم السعاة القادمين من لدن قواده المنتشرين بجيوشهم في بلاد المسلمين وبلاد الخطا وسهول روسيا، وكان عليه متابعة ما يجري في الجوبي، لذا قرر الخاقان الانتقال بجيشه خلال الصيف إلى مرتفعات هندوكش الواقعة شمال الهند التي تكسوها الغابات ومنح جنوده فترة راحة.

عقب وفاة السلطان علاء الدين محمد في الجزيرة النائية في بحر قزوين، عاد أبناؤه الثلاثة، الذين حضروا أيامه الأخيرة وشهدوا وفاته، إلى خوارزم فاستقبلهم الأهالي بالترحاب، على الفور بدأ جلال الدين منكبرتي، بعدما أصبح سلطان البلاد خلفاً لوالده، العمل على إحياء فكرة الجهاد بين المسلمين وجمع الأموال من أغنيائهم وفقرائهم، وسرعان ما تكوّن جيش خوارزمي قوي.

استقرّ جلال الدين في غزنة جنوب شرق خوارزم، وكانت من أشهر مدن سجستان (أفغانستان حالياً) وقاعدة الدولة الغزنوية، التي اشتهرت في القرنين الرابع والخامس الهجري، ومقراً لملوك آل سبكتكين، وهي بلد الفضل محمد بن أبي يزيد الغنوي صاحب تفسير «عين المعاني»، وتقع على بعد 150 كيلومتراً جنوب مدينة كابول.

واجهت جلال الدين المشكلة نفسها التي سببت اندحار الممالك الإسلامية في كل العصور وهي الخلافات الدائمة والفرقة وعدم الاتحاد. كان الجيش يتكون من أبناء القبيلة التركية التي تنتمي إليها زوجة أبيه تركان خاتون وكان ابنها أزلاغ شاة ولي العهد، لكن السلطان علاء الدين خلع، قبل وفاته، أزلاغ من ولاية العهد واختار ابنه جلال ليكون خليفة له، إذ كان من أشجع فرسان خوارزم والأكثر ملاءمة لتلك المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، رفضت قبيلة تركان خاتون هذا الوضع فقررت الانسحاب من الجيش، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ثارت ضد السلطان وحاولت القبض عليه والتخلص منه نهائياً، فهرب جلال الدين إلى خراسان ومعه 300 فارس فحسب بقيادة تيمور ملك، حاكم جند السابق، الذي أثبت شجاعته وبسالته في قتال المغول.

استقر جلال الدين في غزنة ورحب به أهلها وانضم تحت لوائه أشخاص من مختلف الأجناس، بالإضافة إلى الجنود الخوارزميين المشتتين في كابول وبيشاور وغيرهما من المدن الواقعة على حدود الهند، كذلك انضمّ إليه سيف الدين بغراق أحد ملوك المسلمين، وكان شجاعاً مقداماً ذا رأي وحيلة في الحروب ومعه 30 ألف مقاتل، ثم انضم إليه 60 ألف جندي من الخوارزميين الذين نجحوا في الفرار من مدنهم التي اجتاحها المغول ودمروها، كذلك انضم إليه ملك خان، أمير مدينة هراة الذي تمكن من الفرار بفرقة من جيشه قبل سقوط مدينته في أيدي المغول، هكذا تكوّن جيش إسلامي ضخم.

بين جلال الدين وجنكيز خان

لما اطمأن جلال الدين إلى جيشه عدداً وعدة، خرج في ربيع عام 1221، إلى منطقة «بلق» على بعد أميال من غزنة وعسكر وسط مكان حصين بين الجبال الشاهقة الارتفاع.

أرسل جنكيز خان أخاه بالتبني شيجي قوتوقو على رأس فرقة من 30 ألف مقاتل، وبدأ الصدام بين الفريقين واستمر القتال محتدماً طوال اليوم من دون نتيجة حاسمة إلى أن حلّ الظلام فتراجع كل فريق إلى معسكره، وفي الليل أمر قوتوقو جنوده بخلع قلانسهم ووضعها على رؤوس الخيل لإيهام المسلمين بأن جيش المغول تضاعف عدده، وهي حرب نفسية برع المغول فيها في تلك الأزمنة، لا سيما أن جيش المسلمين فاق عدداً جيش المغول.

في الصباح شاهد المسلمون الجيش المغولي وقد أصبح ضعف ما كان عليه بالأمس، فظنوا أنه تلقى إمدادات وكادت الحيلة تنطلي عليهم وهمّ البعض فعلا بالانسحاب، لكن السلطان جلال الدين وقف موقفاً حاسماً ورفض فكرة الانسحاب وأعلن عزمه متابعة القتال، وأمر بأن يربط كل فارس نفسه بحصانه استعداداً للحظة الهجوم.

بدأ جيش المغول الهجوم على ميسرة جيش الخوارزمي، لكنهم قوبلوا بوابل من السهام ما أجبرهم على الارتداد، وفي الهجوم الثاني كاد المغول أن يفتحوا ثغرة في صفوف الجيش الإسلامي الذي كان يتخذ حتى تلك اللحظة موقف الدفاع، عندها نفخ جلال الدين في البوق معلناً الهجوم وحمل فرسان المسلمين على المغول ببسالة فائقة فسادت الفوضى في صفوف المغول ولاذوا بالفرار، وزاد من اضطرابهم طبيعة الأرض الجبلية الوعرة التي دارت فيها المعركة، فتعثروا وسقطوا ووقع كثر منهم قتلى وأسرى.

كان النصر، الذي هو من عند الله، من نصيب الجيش الإسلامي، وانهزم المغول للمرة الأولى منذ خروجهم إلى العالم الإسلامي وارتفع عدد قتلاهم وأسراهم ولاذ الآلاف منهم بالفرار إلى حيث يوجد الخاقان الأكبر في طالقان في شمال أفغانستان.

أمر السلطان جلال الدين بالانتقام من أسرى المغول انتقاماً رهيباً يضاهي وحشيتهم في التعامل مع المسلمين، وفي ذلك يقول النسوي:

«وكثر الأسرى حتى كان الفراشون يحضرون الأسارى الذين يأسرونهم إلى بين يديه، فيدقون الأوتاد في آذانهم تشفياً منهم، وجلال الدين يتفرج ووجهه بالبشاشة يتبلج».

بسالة المسلمين

ساعدت نتائج هذه المعركة في رفع الروح المعنوية للمسلمين، فقد انهزم المغول الذين أشاعوا أنهم لا يقهرون، وكان انتصار المسلمين مرجعه تحقيق الوحدة بين صفوفهم، فقد اتحدت في معركة غزنة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش والده السلطان علاء الدين مع جيش سيف الدين بغراق التركي مع ملك خان أمير هراة.

انتشر خبر النصر الذي حققه المسلمون على المغول في سائر البلدان التي سقطت في أيدي المغول، وعادت الثقة في نفس من تبقى على قيد الحياة من المسلمين، فقاموا بثورات ضد المغول وقد زال الرعب من نفوسهم وحققوا انتصارات وقتلوا وأسروا الكثير من جنودهم وقتل بعض حكام المغول في هذه البلاد.

كان لهذا النصر جانب سلبي، فقد تحول إلى نقمة على المسلمين واشعل الخلافات والحروب بينهم، إذ اختلف قادة الجيش المنتصر في توزيع الغنائم بعدما طالب سيف الدين بغراق وملك خان بنصيبهما في الغنائم، وتطور الخلاف إلى حرب بين الأطراف واقتتال بالسيوف كان من نتيجته مقتل شقيق سيف الدين بغراق، فقال: «أنا أقتل وأهزم الكفار ويقتل أخي؟» فغضب وأعلن انسحابه بفرقته المؤلفة من 30 ألف مقاتل واتجه نحو الهند.

على جانب آخر، حدث نزاع بين قائدين من قادة جيش جلال الدين على حصان عربي أبيض كان ضمن الغنائم، إذ اراده كل واحد منهما لنفسه، وبلغ الخلاف بينهما أن ضرب أحدهما الآخر بالسوط على رأسه. فشل جلال الدين في إقناع القائد المعتدي بالاعتذار لزميله، وكانت النتيجة أن انسحب القائد الذي أهين بجنوده من الجيش واتجه إلى بيشاور، والطريف هنا أن هذا الجواد احتفظ به جلال الدين لنفسه، وكان سبباً في إنقاذ حياته كما سنرى لاحقاً.

هكذا انتهى النصر الوحيد الذي حققه المسلمون على المغول بحرب ضروس بينهم، أسيلت فيها دماء المسلمين بسيوف المسلمين، وسقط قتلى وتفتت الجيش الذي بث الأمل في نفوس المسلمين.