«وين المطر»؟!
أين المطر؟! أين أنت أيها الضيف العزيز؟! لماذا ثقلت خطواتك؟! نعلم جيداً أنك متردد في القدوم بسبب ما نعيشه من تناحر غير مسبوق، ونعلم أيضا أنك تبحث عمن يستقبلك بأحضان التفاؤل واللهفة، لكن تأكد أن الجميع ينتظر لحظة وصولك، فهناك من يعشقك إلى حد الجنون، وهناك من يشتاق إليك أكثر من اشتياقه لمحبوبته، فليتك تسارع الخطوة لتروي أبناء هذا البلد بشيء من المحبة وغفران الخطايا لبعضهم والعفو عمن أساء لهذا أو ذاك، فمتى ترأف بحالنا وتتعطف علينا؟!ولأن الجو الممطر هو الحالة الوحيدة التي تمكّن أي إنسان من الاستغناء عن الزوجة والحبيبة والأصدقاء وغيرهم والعيش في عالم آخر دون الحاجة إلى أي منهم على الأقل في هذه الأجواء، فإننا في الوقت الحاضر وبسبب غياب المطر أشبه بمن يعيش في غربة موحشة، وفي عالم يخلو من المودة والرحمة، فاضطررنا إلى متابعة هموم لا طاقة لنا بها، عبر أحداث سياسية يومية تتناقلها فضائيات وصحف مؤيدة لفريق وأخرى تؤازر الطرف المنافس، فلا مطر يخفف وطأة هذا الشحن البغيض، ولا نية على ما يبدو لطي هذه الصفحة بما تحمله من ألم، خصوصا أن التصعيد متواصل ووتيرة الأحداث تتسارع، ولا أثر للفرح الذي كان يسكن في هذه المدينة، إذ باتت موقعاً للتمزيق ونشر الغسيل والتخوين وتبادل التهم والسب والشتم بجميع اللغات، فمتى يأتي المطر؟!
نعم متى يأتي المطر، لأنه الوحيد الذي يمكنه غسل النفوس من الداخل وتنظيفها بمواد لم تستعمل من قبل، وهو البوابة الوحيدة لفتح صفحات جديدة لا صفحة واحدة بين الجميع، كما أنه فرصة لن تتكرر لإعادة الحسابات ووضع مصلحة هذا البلد وأبنائه من الشرائح المختلفة في مقدمة الأولويات، فالحياة رحلة سفر ربما تطول بعض الشيء لكنها حتما ستنتهي، ولا أفضل من أن تختتم الحياة بذكرى عطرة من إنسان تسامى على جراحه واعتذر، وآخر عفا عن كل من أساء إليه، هنا يدرك المطر أنه في بيته القديم وبين أحبته وجيرانه، فلن يتردد لحظة في القدوم مسرعاً، فهل سيسعى الجميع أو على الأقل البعض منّا إلى تعبيد الطريق أمام المطر لنستمتع برهامه الجميل قبل نهاية فصل الشتاء؟! في السابق كان أكثر من يبحث وينتظر المطر هم أهل المخيمات، أو بعض الشباب من محبي "التشفيط"، لكن الآن اختلف الوضع، وأصبح الجميع يسأل ويتابع أخبار الطقس بحثاً عن المطر، فالكل يشعر أنه بأمسّ الحاجة ولو بقطرات قليلة من هذه النعمة التي تغسل القلوب ويستجاب فيها الدعاء، وكلنا أمل في كرم رب العباد لتنزيل الغيث على هذه البلاد في القادم من الأيام، لتكون سبباً في دخول الرحمة والمودة في قلوب البعض ولتطوي سنوات عجافاً من العلاقة المتوترة بين أبناء الجلدة الواحدة، فأين المطر؟!سحابة:نتمنى ألا يخرج علينا أحدهم ويقول إن أسباب عدم نزول المطر هو لكثرة الذنوب والخطايا وأن الله غاضب علينا، فالأمطار تهطل بغزارة على بلاد "الكفار" على مدار العام، فهل يا ترى ذنوبنا أكثر من ذنوبهم؟!