هناك بحث جميل منشور في الإنترنت بعنوان "خبرات عالمية في تشجيع القراءة ونشر المكتبات" للباحث نصار عمر رمضان، يعدد فيه بعض التجارب التي قامت بها الدول العريقة لتشجيع الأطفال والناشئة على القراءة في سن مبكرة، لتعويدهم على حب المطالعة والبحث والمعرفة، ولعل إقامة معرض الكتاب في الكويت هذه الأيام و"الهبّة" السنوية للقراءة تكون فرصة جيدة للاستفادة من الخبرات العالمية المذكورة في هذا البحث.

Ad

يبدأ رمضان حديثه عن المملكة المتحدة حيث "تقوم الكثير من المكتبات المدرسية والعامة بتنظيم أنشطة خاصة تعرف باسم القراءة العائلية، فيتم الجمع فيها بين الأطفال وأولياء أمورهم، ويتم تدريب الآباء على اختيار الكتب المناسبة لأطفالهم بناءً على خصائص نموهم العقلي والنفسي"... "وفى إنكلترا توجد نحو 35 ألف مدرسة بها عشرة آلاف متجر لبيع الكتب ذات الطبعات الشعبية الرخيصة، حيث يقوم التلاميذ بشراء هذه الكتب من مصروف جيبهم، ويبلغ متوسط مبيعات هذه المتجر سنوياً نحو 25 مليون جنية إسترليني"... "وتهتم معظم المكتبات العامة البريطانية بالسماح للأطفال بدخول المكتبة من سن سنتين على أن يرافقهم أحد الكبار، ولذلك تهتم هذه المكتبات بتوفير مجموعات متنوعة من الألعاب والعرائس التى تجذب الأطفال، وفي ذات الوقت تعقد دورات للآباء لتعريفهم كيفية اختيار الكتب لأطفالهم، إلى جانب التشجيع والدعم والنصائح والتوجيهات التى تساعدهم على تحبيب القراءة إلى أطفالهم".

يتوجه بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية فيذكر أمثلة على الاهتمام بنشر القراءة فيقول: "في مدينة ميسولا تضرب الخيام للعمال الذين يشتغلون بقطع الأخشاب من الغابات، حيث تجول سيارة تحمل الكتب المختلفة لإعارتها لهؤلاء العمال، حتى لا يحرموا من القراءة في أثناء بعدهم عن منازلهم أو المكتبات العامة، وفي سياتل توجد مكتبة عامة جعلت من عاداتها الحصول على أسماء الأجانب الذين يدخلون في الرعاية الأميركية عن طريق إيفاد مندوبين عن المكتبة إلى كل واحد منهم، حيث تقدم لهم بعض المؤلفات بلغتهم الأصلية مع بعض الكتب التي يستطيعون بواسطتها تعلم اللغة الإنكليزية، أما في مكتبة بورتلاند فنجد أنها تقوم بإعارة الصور الكبيرة الزيتية والمائية للمنازل إلى جانب الكتب، ويجوز لربّة المنزل أن تبقي هذه الصور شهراً أو أكثر في منزلها، والهدف من ذلك هو جذب أكبر عدد من المواطنين للقراءة والتردد على المكتبات".

ثم ينتقل إلى اليابان فيقول: "عندما ننتقل إلى اليابان، بلاد الشمس المشرقة التي تتميز بالاهتمام البالغ بمواطنيها منذ الطفولة، نجدها تقوم بتجربة عظيمة، لا تنم إلا على اهتمام بإعداد أجيال على أعلى مستوى من الثقافة والتقدم، ولذلك تستحق الوقوف عليها، والاستفادة منها، وتتلخص هذه التجربة في القيام بترجمة كتب الأطفال الجيدة على مستوى العالم إلى اللغة اليابانية، وفي كل عام يسافر من اليابان فريق إلى معرض ميونيخ الدولى للكتاب بألمانيا، حيث يقوم هذا الفريق بدراسة وتمشيط كل ما في المعرض من كتب الأطفال في جميع اللغات، ثم يعود لدراسة المناسب منها لترجمته كي يستفيد كل طفل على أرض اليابان، ويصبح ملماً بكل ما يحصل عليه أطفال العالم من معلومات وخبرات، فيتفوق عليهم جميعاً"!

أما في الصين: فقد "أضحت المكتبات العامة كالمجمعات الاستهلاكية... فقد خصصت الدولة ناصية الطابق الأرضي في كل بناء يقام في شارع رئيسي، حيث يتم إنشاء مكتبة صغيرة لا تتجاوز عدة أرفف، تخصص مقتنيات كل رف منها لمرحلة عمرية معينة، وتمتلئ هذه الرفوف بالكتب الجميلة والمتنوعة، وما على الطفل إلا أن يدخل المكتبة ويأخذ الكتاب أو القصة التي يريدها ليقرأها ثم يعيدها إلى مكانها، وفي ذات الوقت يقف اختصاصي المكتبة لمساعدة الرواد الصغار على اختيار ما يرغبون فيه من كتب وقصص، وتوجد في العاصمة الصينية بكين ما يزيد على خمسمئة مكتبة بهذا الشكل، وذلك من أجل توفير الخدمة المكتبية للأطفال في كل مكان حتى يشبوا على التعلق بالمكتبة والذهاب إليها حيثما كانت وكانوا، ولقد ساعدت هذه المكتبات على رواج كتب وقصص الأطفال بنسبة كبيرة"... "ولا يقل دور اختصاصي المكتبة عن دور المدرسة بل قد يتجاوزها، فالطفل يتم تدريبه في المكتبة على تعليم نفسه وتثقيفها، ومن ثم تصبح القراءة عادة ملازمة له طوال حياته، وما ساعد على تشجيع هذه المكتبات ونجاحها اعتبار الصين كتاب الطفل خارج المدرسة جزءاً لا يتجزأ عن التعليم، بل يكمل دوره، فالمنهج الدراسي ليس كافياً لتثقيف الفرد، لذلك كان الربط بين التعليم المنهجي بالثقافة اللامنهجية التي يحصل عليها الطالب بعد يومه الدراسي القصير".

البحث طويل وجميل ومساحة المقال لا تسع لنشر كل ما ورد فيه من أمثلة، يقول الباحث في نهاية عرضه لهذه النماذج والتجارب العالمية حول تشجيع القراءة ونشر المكتبات: "أردت من عرضها تبصير كل مسؤول عن الثقافة وكل ولي أمر أن القراءة قيمة عظيمة وجديرة بالاهتمام، لا على المستوى الفردي فحسب، بل على كل المستويات، فليعمل كل منا في مجاله بجد ونشاط، ونحسن زراعة القراءة وحبها بين أبنائنا الصغار على الأقل- إن لم نكن نحن قراء- حتى نجني جيلاً قارئاً متفوقاً، يرفع من قدر أمتنا في وقت لا مكان فيه لضعيف أو متخلف"... وكلنا مثلك، نتمنى مثل ما تتمنى، ونأمل مثل ما تأمل... قولوا يا رب!