ما قل ودل: تفويض الرئيس السابق لنائبه كان استخفافاً بعقول الشباب والشعب

نشر في 13-03-2011
آخر تحديث 13-03-2011 | 00:00
 المستشار شفيق إمام كان أحد الحلول التي توصل إليها، السياسي والكاتب الصحفي ضياء رشوان، حلاً وسطاً لمطالب الثورة الشعبية، إزاء إصرار الرئيس على البقاء في السلطة، أن يفوض نائبه عمر سليمان في صلاحياته الدستورية، إعمالاً للمادة (139) من الدستور التي تنص على أنه «لرئيس الجمهورية أن يعين نائباً له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم ويعفيهم من مناصبهم».

ولقد فوجئت وصدمت في آن واحد عندما استمعت إلى بيان الرئيس مبارك، الذي ألقاه في ساعة متأخرة من مساء يوم الخميس 10 فبراير، ليعلن، وفي استعلاء شديد، أنه رأى أن يفوض نائب رئيس الجمهورية في صلاحياته، في الحدود التي يقررها الدستور والتي فسرها مستشار وعضو مجلس شورى فور إلقاء البيان بأنه يمتنع على الرئيس- طبقا للدستور- التقويض في الصلاحيات المتعلقة بحل مجلسي الشعب والشورى، أو إقالة الحكومة أو تعديل الدستور، وبذلك فإن هذا التفويض يمنح نائبه بعض الصلاحيات الإدارية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ولهذا كانت صدمة ثوار 25 يناير أشد وطأة، فقد كان ذلك استخفافاً بعقولهم الأمر الذي رفضوه.

الفهم الخاطئ للمادة (139)

ويبدو لي أن الرئيس ومعاونيه، لم يفهموا نص المادة (139) من الدستور، بما يزيل اللبس الذي وقعوا وأوقعوا الرئيس فيه، فقرر ما أسماه تفويضاً لنائبه بالعبارة التي وردت في البيان «في الحدود التي يقررها الدستور» على أساس أنها تقيد نائب الرئيس في ممارسة صلاحيات الرئيس بالقيود الواردة في المادة (82) من الدستور، والتي تمنعه من طلب تعديل الدستور أو حل مجلسي الشعب والشورى أو إقالة الحكومة، الأمر الذي ينطوي على استخفاف كبير بعقلية الشباب وبعقول الشعب، لأن هذه الاختصاصات هي جوهر صلاحيات الرئيس في شؤون الحكم، وهي جوهر المطالب المشروعة، لثورة 25 يناير، فحرمان النائب منها معناه أن تبقى مساءلة رئيس الوزراء عن السياسة العامة للوزارة ومساءلة أي وزير عن أعمال وزارته في يد الرئيس وحده ومن صلاحياته، لأن هذه الصلاحية هي التي تسمح له بأن يزن الظروف والملابسات قبل أن يستخدم حقه في الإبقاء على الوزارة أو الوزير أو الإعفاء سواء بالنسبة إلى الوزارة أو الوزير، فضلاً عن حرمانه من حق طلب تعديل الدستور، الذي يعتبر من أهم مطالب هذه الثورة، ومن حقه حل مجلسي الشعب والشورى، وهما المجلسان اللذان لا يعبران عن إرادة الشعب بسبب تزوير النظام لهذه الإرادة، ولا يبقى بعد ذلك لنائب الرئيس إلا صلاحيات إدارية لا تغني ولا تسمن من جوع الثوار، وهذا الفهم الخاطئ الذي حاول تصحيحه أستاذنا الكبير الفقيه الدستوري الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الذي قال في مداخلة له مع إحدى الفضائيات إن هذه المادة لا تتقيد بالقيود الواردة في المادة (82)، وأشاركه في هذا التفسير وأسوق للتدليل على ذلك ما يلي:

1- إن ما ورد من قيود على صلاحيات نائب الرئيس في الفقرة الثانية من المادة (82) التي نصت على أنه «لا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة «، هي قيود خصصت بالحالة التي وردت في الفقرة الأولى من المادة (82) التي تنص على أنه «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية».

2- إن تلك القيود لا تتعدى هذه الحالة إلى غيرها إلا بنص صريح، مثلما ورد في المادة (84) التي نصت على التقيد بأحكام الفقرة الثانية من المادة (82) في حالة تولى الرئاسة مؤقتاً رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم.

3- إن ما ورد في المادة (139) من تخويل الرئيس تحديد صلاحياته لنائبه، قد ورد بحكم عام ومطلق والأصل في الحكم العام أن يسري على عمومه وفي الحكم المطلق أن يجري على إطلاقه، ما لم يرد نص صريح يخصصه أو يقيده، وبذلك يصبح الحكم الوارد في المادة (139) شاملاً كل اختصاصات الرئيس، بما فيها طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة، بل إنه يجوز للرئيس أن يقصر الصلاحيات التي يحددها لنائبه على هذه المسائل وحدها.

4- ولو أراد الدستور، تقييد حق الرئيس المنصوص عليه في المادة (139) في تحديد اختصاصات نائبه بالقيود الواردة في المادة (82) من الدستور التي تحجب عن النائب هذه الصلاحيات، لأضاف إلى المادة (139) عبارة «وذلك مع عدم الإخلال بأحكام المادة (82) من الدستور» أو العبارة التي وردت في المادة (84) والتي قيد بها صلاحيات كل من رئيس مجلس الشعب ورئيس المحكمة الدستورية في حالة حلول أيهما محل الرئيس بأحكام الفقرة الثانية من المادة (82).

تحديد اختصاص وليس تفويضاً

لعل ما صدمني كذلك مهنياً أن هذه المادة تخول للرئيس تحديد اختصاصات نائبه وليس تفويضه في ممارسة اختصاصاته، واختلاف تحديد الاختصاصات عن التفويض في الاختصاصات ليس اختلافاً في اللفظ والعبارة، بل هو اختلاف في الطبيعة القانونية لكل منهما والآثار القانونية التي تترتب على ذلك.

ذلك أن التفويض في الاختصاص، وهو العبارة التي استخدمها البيان، والتي لم ترد في نص المادة (139) أصلاً، لا يمنع الرئيس من أن يزاول ما فوض فيه باعتباره الأصيل، وقد أنصف الرئيس الحقيقة من نفسه حين أعلن في بيانه، أنه تقدم بطلب تعديل ست مواد من الدستور رأت اللجنة المعينة لهذا الغرض تعديلها، وأنه على استعداد لتقديم التعديلات الدستورية الأخرى التي تراها اللجنة، كما توعد بمحاسبة كل من يثبت ارتكابه للجرائم التي أودت بحياة شهداء 25 يناير، بأقصى الشدة والحزم، وهو بهذا البيان لايزال يؤكد، أنه المهيمن على كل سلطاته وصلاحياته في شؤون الحكم.

أما تحديد الاختصاص فهو من النظام العام لأنه بهذا التحديد لاختصاصات نائبه تصبح من صلاحية النائب وحده، لا يستطيع الرئيس أن يحل محل النائب في ممارسته لها، ولا أن يعدل فيها أو يعقب عليها.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top