إدارات أمن الدولة في العالم العربي أصبحت اليوم «نجم الشباك»، كما يوصف نجوم السينما الذين يجذبون الجماهير لأعمالهم الفنية، فالكل يريد أن يعرف ما يدور داخل تلك الإدارات وما قامت به من تجاوزات وانتهاكات بحق شعوبها، بعد أن حولت معظم الأنظمة العربية أجهزة أمن الدولة إلى غول لضمان بقائها وسطوتها على شعوبها بدلاً من دورها الأساسي المهم بحماية الجبهة الداخلية وسلامة الدولة من المخاطر والمؤامرات الخارجية التي تستهدفها، خاصة في إقليمنا العربي المتوتر الذي تكثر فيه الصراعات ونزعات التمدد والهيمنة.

مطالبات بعض السياسيين والناشطين العرب، التي يكررها أقرانهم في الكويت بحل وإلغاء جهاز أمن الدولة، ركوب للموجة وهزل في موضع الجد، فلا يمكن أن نتصور دولة بلا جهاز يقوم بحماية الجبهة الداخلية ومواجهة الحركات والتنظيمات الداخلية والخارجية المخربة والإرهابية، التي تستهدف المجتمع والدولة، فإلغاؤه يعتبر دعوة صريحة للعسكر إلى التعامل مع الأنشطة المدنية، إذ إن حل هذا الجهاز يعني أوتوماتيكياً استدعاء الاستخبارات العسكرية للقيام بهذا الدور، إذ إن الفراغ الأمني الذي ينتج عن إلغاء جهاز أمن الدولة يجب أن يملأ خاصة أن بقية أجهزة الأمن العادية من بحث جنائي وخلافه لا تستطيع القيام به.

Ad

لذلك فإنه لا توجد دولة حديثة ديمقراطية بلا هيئة أو جهاز معني بأمن الجبهة الداخلية، مثل المكتب الخامس في الاستخبارات البريطانية (إم آي 5) وتشمل اختصاصاته حماية الأمن الداخلي والديمقراطية البرلمانية والمصالح الاقتصادية البريطانية ومواجهة الإرهاب ومكافحة التجسس، وقد تم تحديد مهامه وتنظيم أعماله برقابة قضائية برلمانية بقانون صدر في عام 1994، وهو ما يحدث أيضاً في عدة دول أخرى ديمقراطية مثل فرنسا والسويد والولايات المتحدة، وللأخيرة تجربة فريدة مع إدغار هوفر رئيس مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) تستحق الاطلاع عليها وأخذ العبر منها.

ونحن في الكويت بأشد الحاجة إلى مثل هذا الجهاز في ظل ظروفنا الإقليمية وطبيعة تركيبتنا السكانية، ورغبتنا في تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري مفتوح للجميع، ولكننا في نفس الوقت بحاجة إلى تنظيم وإصلاح هذا الجهاز والنأي به عن الحراك السياسي الداخلي السلمي وتحصينه من الانزلاق في ممارسات التجاذبات السياسية، التي تتحقق عن طريق استقلاليته وتحديد وظائفه ومهامه بدقة، وإخضاعه لإشراف كامل من لجنة قضائية تتابع جميع أعماله وتراجع أنشطته وتصرح له بالقيام بمهامه الحساسة قبل المباشرة بها إذا ما مست أسرار وحريات الأفراد وحقوقهم الدستورية والقانونية، وكذلك ضمان إبعاد جميع الأطراف المتصلة بالحياة السياسية والسلطة عن إدارته، واكتفاء وزير الداخلية بالإشراف عليه وتولي مهام التنسيق بينه وبين بقية الأجهزة الأمنية والدفاعية المعنية، وبهذا يمكن أن نصلح ونحصن هذا الجهاز الحيوي والهام، حتى لا يكون مآله كحال الأجهزة العربية المماثلة التي تدمر حالياً بسبب انحرافها، لتترك مجتمعاتها وجبهاتها الداخلية مكشوفة أمام المخربين والأعداء.

***

خروج البعض بتجمعات مفاجئة ذات طابع طائفي وإصدار بيانات عنها بمرجعية تخص فئة من المواطنين لانتسابهم إلى معتقد ديني ما والتكلم باسمهم دون تفويض منهم، هو لعب بالنار وليس خدمة لطرف ما، وستكون له تداعيات خطيرة تتطلب أن يمنعها صاحب القرار ويتبرأ منها.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة