صيف باكستان القائظ

نشر في 10-08-2010
آخر تحديث 10-08-2010 | 00:01
في ظل الأوضاع الإنسانية الحرجة التي تمر بها باكستان، هل تفرض المؤسسة العسكرية الباكستانية مرة أخرى نفسها بشكل مباشر على الساحة السياسية، كما فعلت أربع مرات من قبل في غضون العقود الستة التي انقضت منذ استقلال باكستان؟ أم هل يبادر قادة البلاد المدنيون إلى إصلاح سبلهم؟
 بروجيكت سنديكيت كان شهر يوليو واحداً من أقسى الشهور التي مرت على باكستان طوال تاريخها. فقد اتُهِمَت مؤسسة الدولة بالازدواجية في التعامل مع الجهود الحربية الأميركية في أفغانستان، ومناصرة الجانبين- الولايات المتحدة و"طالبان"- في ذات الوقت. كما اندلع غضب شعبي عارم في باكستان إزاء الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون مع هذه الشبهات، التي تم توجيه بعضها إلى الرئيس آصف علي زرداري، الذي قرر مواصلة زيارته الرسمية للندن على الرغم من اللغة القاسية التي استخدمها كاميرون.

ثم تفاقم الغضب الشعبي إزاء الاتهامات التي وجهتها أميركا وبريطانيا إلى هيئة الاستخبارات الباكستانية، في حين عرضت محطات التلفاز تغطية على مدار الساعة لما أحدثته الفيضانات في شمال غرب البلاد من الخراب والدمار والمعاناة، التي تعد أسوأ فيضانات تشهدها البلاد منذ أكثر من ثمانين عاما. ولقد بذلت المؤسسة العسكرية جهوداً كبيرة لمساعدة هؤلاء الذين تضرروا، وكان قائد المؤسسة العسكرية الجنرال أشفق برويز كياني، الذي تم تمديد فترة خدمته أخيراً وعلى نحو غير معتاد لثلاثة أعوام إضافية، وحيداً بين كبار زعماء باكستان في زيارة المناطق المتضررة بالفيضانات وإبداء الانزعاج والتعاطف مع معاناة الناس هناك. ولم تكن هذه هي الأزمة الوحيدة التي بدت فيها قيادة المؤسسة العسكرية وكأنها تفعل ما يعتقد عامة الناس أنه الصواب.

ولقد أكدت الوثائق التي نشرها موقع "ويكيليكس" لتقارير استخباراتية أميركية أولية واردة من أفغانستان هذه الشبهات التي كانت مثار جدال لفترة طويلة. فقد وصف عدد من التقارير الميدانية اتصالات بين الاستخبارات الباكستانية و"طالبان"، حتى في أثناء اشتراك هيئة الاستخبارات الباكستانية في مقاتلة بعض قوات "طالبان" في باكستان. وتضمنت الوثائق روايات عن الغضب الذي شعر به الأميركيون إزاء تقاعس هيئة الاستخبارات الباكستانية عن مواجهة المتمردين المسلحين، خصوصاً أولئك الذين يهاجمون قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي (الناتو) بالقرب من الحدود الباكستانية. ويبدو أن هيئة الاستخبارات الباكستانية أبقت على خطوط الاتصال مفتوحة مع بعض زعماء "طالبان" على أمل استخدام الحركة كقوة احتياطية في حال حدوث مواجهة عسكرية أخرى مع الهند أو انسحاب أميركي متسرع من أفغانستان.

ولقد اختار كاميرون هذه الازدواجية الباكستانية الظاهرية موضوعاً لهجومه، ففي خطاب ألقاه أمام حشد من كبار رجال الأعمال الهنود في بنغالور، اتهم باكستان باللعب على جانبي المعادلة الأفغانية.

واستُقبِلَت تصريحات كاميرون باستياء عميق في باكستان، فقد خلَّفت هذه التصريحات انطباعاً بأن بريطانيا على استعداد لإذلال باكستان على الملأ من أجل كسب ود الهنود. وقد تنجح مثل هذه الاستراتيجية في الأمد القريب في الفوز بأوامر تصدير للشركات البريطانية من الهند. والواقع أن رئيس الوزراء وفريقه فازا بعقد واحد كبير على الأقل- لبيع طائرات عسكرية تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار أميركي. ولكن من المرجح في الأمد البعيد أن يساهم هذا السلوك البريطاني في تدهور العلاقات الهندية الباكستانية.

ولقد طالب الرأي العام الباكستاني بتوبيخ سريع وحاسم لبريطانيا من جانب قيادة البلاد. وجاءت تلبية هذا المطلب من المؤسسة العسكرية، حيث قرر الجنرال أحمد شجاع باشا رئيس هيئة الاستخبارات الباكستانية إلغاء زيارته المقررة للندن، حيث كان من المفترض أن يناقش مسائل متعلقة بالاستخبارات، في حين بدت القيادة المدنية مترددة، فبعد تردد وصل زرداري إلى لندن بعد ثلاثة أيام.

ويبدو أن الحكومة المدنية الباكستانية ألقت الكرة أيضاً في الملعب الاقتصادي، حيث تسببت الإدارة الهزيلة من جانب السلطات في دفع البلاد نحو أزمة أخرى. فبفعل الفيضانات جزئياً، التي ستصل كلفة إزالة آثارها نحو 1 في المئة على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي، وبسبب عجز الإدارة وعدم رغبتها في الحد من النفقات غير الضرورية، وبسبب تباطؤ نمو الصادرات، عادت باكستان من جديد إلى مواجهة مشاكل مالية خطيرة وأخرى مرتبطة بميزان المدفوعات.

ولكن في هذه المرة قد لا تكون المساعدات الأجنبية متاحة كما كانت من قبل، ولنقل في عام 2008. ولقد توقعت الحكومة نمواً للناتج المحلي الإجمالي يبلغ 4.1 في المئة أثناء الفترة 2010-2011، ولكنها ستكون محظوظة إذا نجحت في تحقيق نمو بنسبة 2.8 في المئة، أو نصف النمو المتوقع في بنغلادش، وثلث المتوقع في الهند.

لقد أصبحت باكستان الآن وكأنها رجل جنوب آسيا المريض، حيث ظلت معدلات النمو أدنى من 3 في المئة طوال ثلاثة أعوام، الأمر الذي أدى إلى زيادة أعداد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع بنحو عشرة ملايين. وأغلب هذه الزيادة تتركز في المدن الضخمة، إذ كان السخط الشعبي في تصاعد بالفعل رداً على فشل الحكومة الواضح في توفير السلع والخدمات الأساسية.

وهذه الأزمات المتفاقمة على جبهات عدة- التي ينسب بعضها إلى سوء الإدارة- تثير من جديد التساؤل عما إذا كانت باكستان قادرة على دعم ديمقراطيتها. والواقع أن الصورة الإيجابية التي ظهرت بها المؤسسة العسكرية تشير إلى أنها المؤسسة الوحيدة المتبقية في هذه الدولة المترنحة التي تمتلك القدرة على تثبيت الاستقرار في المواقف العصيبة.

ولكن هل تفرض المؤسسة العسكرية الباكستانية مرة أخرى نفسها بشكل مباشر على الساحة السياسية، كما فعلت أربع مرات من قبل في غضون العقود الستة التي انقضت منذ استقلال باكستان؟ أم هل يبادر قادة البلاد المدنيون إلى إصلاح سبلهم؟

إن الفارق بين اليوم والفترات التي كانت تسبق الانقلابات في باكستان دوماً يتلخص في المجتمع المدني النشيط، ووسائل الإعلام الإلكترونية والمطبوعة غير المقيدة، والجهاز القضائي المستقل الحازم، وهي الجهات التي قد تتمكن من إبقاء العسكريين في ثكناتهم وإرغام الساسة على سلوك المسار الصحيح. ومع ذلك فإن شهر يوليو كان شهراً قاسياً على باكستان، ويبدو أن المزيد قادم في الطريق لا محالة.

* شاهد جاويد بركي | Shahid Javed Burki ، وزير مالية باكستان الأسبق، ونائب رئيس البنك الدولي سابقاً. وهو يشغل حالياً منصب رئيس معهد السياسات العامة في لاهور.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top