الطريق تعترف
جسد مائل إلى الحافة كالغجري الذي يهرب أشرعة حياته إلى الحافة، كالنائم تحت ظل مطرقة مستعدة للقفز نحو الأسفل دائما. هكذا، أبحث عن أرض ولادتي بأسناني، أستيقظ فيسقط الصباح من بين أضلاعي كما تسقط الثمرة الجافة. لكن من يتذكر عظام الأيام، حيث كانت تسهر الريح تحت برج بابل حيث الصدفة أضاعت طفولتها بين أحشاء غابة. انهض كالأعمى تحت خرائب الأفق باحثا عن طاولة تختمر فوقها خطوة الذئب أو الفريسة، عن دهليز مظلم بالنور ومضاء بالظلام باحثا عن أنفاس امرأة فمها الحجري، الأعزل من فراشة جريحة لا يقول شيئاً. الأرق تفاحتي القديمة ولسان الريح التي لم تنطفئ أبداً أصابعي المبتورة تسهر لوحدها طيلة الليل وقد بللها رذاذ الطفولة الحارق. إلى أطراف العالم يصل الألم, كنهر يسيل من عيني فرس جريح كمن يفرغ من أحشائه ثمرة المعرفة وعندما ينام يفيض من رأسه ضجر العالم.
كالأعمى الذي يرشد النور إلى طفولته بيدين وفيتين. هكذا، كعراف تنام بين يديه طرق بعيدة ومجهولة، فلا يختار سوى طريق المرآة حيث يصادفه قرويون يحملون ظلالهم الثقيلة على الأكتاف. هذه النافذة هي آخر ما تبقى من عظامي حيث ينمو العمر على ضفافها كأعشاب ضارة. الوقت يصهل دون توقفٍ في ساعة الحائط كموجةٍ مقذوفة في دهليزٍ طويل. الغرفةُ لم تكن معتمة كان ضوؤها الشاحب ينطبع على جبيني كقبلةِ جلّاد لكن ما الفائدة تحت سترة الليل ذاتها تنام عاصفة من الأوهام، الصباح يتراجع إلى الخلف بأسلحته التي لا تكفي لإغاثة حلم واحد. الصرخة تنطفئ في فمنا باكرا مثل لسان الشمعة. السماء تتبع ظلها المحروق تقودنا المسافاتُ كما يقودُ الضوءُ لعابَهُ الصباحيّ بين الوديان هكذا أنهض كلّ ليلة وعلى شفتيّ وردة، أنهض باكيا كغيمة ضريرة ربما لأنني وحيد, وحيد حتى الغياب كما لو كنت أرملة العالم. والنهار بطيء نومه كأنما جسده مائل إلى الحافة. الظلمة تفتح جيوبها الكبيرة حيث تنام جبهة الأرض كالعذراء. أحيانا تنفجر الطرق في رأسي كحزمة من الأحلام أنام فأسمع زئير المدن والغابات يهطل على حواف الليل كما لو أنه يرن في صدري الذي بلا سقف ولا باب.كيد الغريق...تدخلين اليوم كصرخة الضحية المقذوفة من بعيد تحمل في قلبها سرها الضائع ظلك الذي تحرسه أجراس الرغبة يجرح بحافره جبهة الأرض، كيد الغريق المشدود إلى مصيرها يرسو صمتك على رصيف القدر والريح لا تكف عن الانحناء أمام المعجزة. تأتي هذه اللحظة كما لو أنها أعيدت إلى قلبها المشقوق منذ الولادة. وها هي الأيام تفتح أخيرا أبوابها المرصعة بالنجوم للكارثة التي تعبت من الانتظار. الطريق تعترفهل تعود هذه الليلة أيضاً بشمسها المعكوسة وكهوفها الطويلة والصهيل ُيأتي من بعيد كنبوءة الكاهن. هل تنخلع هذه الأبواب فأرى العالم مكسورا من صدره العاري. والنسيم يدفع شعرَهُ إلى الخلف. عندما لا تسقط الدمعةَُ على حد الأفق كما تسقطُ الثمرةُ على الأرض. ولكن ألا يكفي كلّ هذا: أن أقف وحدي هنا كحصان يحترقُ صوتُه في غابة. بينما العاصفة لا تكف عن الغفران أمام الضحيّة. هل تعودُ هذه الليلة أيضاً كما تعودُ الأنهارُ القديمةُ من نومها الشاغر.وعندما لا أجد الصباحَ في مكانهِ أخاصم بيديّ الهواء, كالأعمى وألقم ليلي بالذخيرة. كشعلة الريح تندفعُ خطوةُ المسافر نحو لياليه المثقوبة بالرصاص نحو صحرائه التي تطوي نفسها كالسلالم بهذه الالتفاتة التي تُشبهُ سقوط حجر في بئر تأمر اللحظة أبناءها بالعودة إلى الماضي حيث تتوج الخسارة أخيرا.رأس الأبدية تجلس الوقائع على حافة العالم مشدودة بخيط الذكريات أينما ذهبت تتعثر هذه الريح بالحجارة كسكير يمشي وهو نائم، بينما الطريق التي سرت عليها في الماضي تعترف لي سلفا هذه المرة: كل خطوة تؤدي... كل خطوة تؤدي إلى الهاوية.