يحدث أحياناً أن يتعلق أحدنا بعالم كاتب ما، منذ اللحظة الأولى للقاء به. قد يكون ذلك بسبب مفردات لغته، أو طبيعة المواضيع التي يتناولها، أو اتجاه الآراء التي يتبناها ويطرحها، وقد يكون لمجمل هذه الأمور. ما أذكره هو أنني أحببت عالم الكاتب البيروفي، ماريو بارغاس يوسا "Mario Vargas Liosa" المولود عام 1936، منذ اللقاء الأول لي بأحد أعماله.
إن إعجاب قارئ بكاتب هو بداية طريق لصداقة وسير للقارئ على دروب الكاتب، من خلال تتبع إصداراته. ومع كل إصدار جديد، تقوى تلك العلاقة وتصعد لمرتفعات جديدة، وقد تنحدر إلى سفوح واطئة، إذا خاب ظن القارئ بالكاتب. وهذا ما يجعل من رحلة الكتابة بحثا وتحديا مستمرا للكاتب، في محاولته الصعبة، لتقديم أعمال جديدة متجددة تؤكد علاقته بقارئه القديم، وتربطه بقارئ جديد، وتضيف جديداً مستحقاً لمسيرته الإبداعية.ماريو يوسا، كاتب خاض في مياه وطين الحياة في مسيرة طويلة وشاقة، بين الصحافة والكتابة والتدريس. حملته من بلده البيرو إلى إسبانيا، ثم إلى فرنسا فلندن، وبعدها تجول في عواصم العالم، حتى استقر في نيويورك، حيث يدرّس في جامعة "برنستون" إحدى الجامعات الأميركية المرموقة. ولقد صاحب تنقل يوسا في المكان، تنقله في معتقداته وآرائه، من اليسار المتطرف، إلى اليمين المتطرف، مروراً بالوسط، وبمحطة شكّلت منعطفاً في حياته، حين ترشح للرئاسة البيروفية عام 1990، وحاز سقوطاً ذريعاً أودى بأحلامه السياسية، وحمله إلى عالم الأدب والرواية دونما رجعة.ماريو يوسا، بدأ رحلته مع الأدب في سن مبكرة، من خلال القراءة. كان يجد فيها مهرباً من قسوة الواقع الذي يعيش فيه، وتحديداً صرامة والده، مما جعله يدرك مبكراً أن الأدب: "رمز العصيان ضد السلطة"، ولقد ظل وعيه بأهمية الأدب وقدرته على تقديم عزاء للإنسان مصاحباً له طوال مسيرته. فهو يكتب رواية بخلطة سحرية، تمزج بين الواقع والمتخيل، مع تصرف بالمتخيل تجعل منه واقعاً فنياً يصعب تصور إمكانية عدم حدوثه على أرض الواقع، كما أنه يرى في الاستيهامات والخيال، نعمة تخلص الإنسان من سطوة وقسوة الواقع المؤلمة.كتب ماريو يوسا، عن دكتاتورية السلطة في أبشع ممارساتها، وفي صغارها أمام نزواتها الدنيئة، ومثلت روايته "حفلة التيس"، واحدة من روايات فضح وإدانة السلطة، كأجمل ما تكون رسالة الأدب في كشف الممارسات اللاانسانية، وتعاطف القارئ مع الإنسان من خلال شخصية بطل الرواية الشابة. كما كتب عن الهواجس الجنسية مستحضراً عوالم فرويد، وذلك في روايته الساحرة "امتداح الخالة". وهو في كل كتاباته يمتلك لغة بسيطة سلسة، بجملة مؤثرة تشق طريقها إلى قلب ووعي القارئ، مثلما يعتمد على الحوار في كشف نوايا أبطاله.ماريو بارغاس يوسا، الذي حاز جائزة نوبل للآداب "Nobel Prize" لهذا العام، في حوار أجرته معه إحدى المجلات الفرنسية، ونشرته جريدة السفير اللبنانية في عددها رقم 11713، ما زال يرى أن "الأدب يمكن أن يغيّر الحياة" وأن "الكلمات التي نجدها في الكتب هي ألغام صغيرة موجهة لتفجر الوعي والذاكرة والتصرفات".
توابل - ثقافات
ماريو بارغاس يوسا
19-10-2010