لا يحتاج زائر مقر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان إلى كثير عناء ليكتشف أن ما في لاهاي يختلف تماماً عما يشيع في بيروت من أجواء عن صفقة سياسية عربية - دولية، من شأنها طي صفحة المحكمة التي تأسست للنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى المتصلة بها.

Ad

فبينما تعلو أصوات متهمي المحكمة بالتسييس في بيروت مطالبين بوضع حد لعملها من خلال إلغاء القرار الاتهامي المرتقب صدوره عن المدعي العام دانيال بلمار، يبدو الفريق القضائي والقانوني والإداري والإعلامي في المحكمة في واد آخر، بعدما لامست التحضيرات لانطلاق العمل بالمحكمة حدود إعداد العدة، تنظيمياً وإدارياً واعلامياً، لإسماع من يعنيهم الأمر صوت مطرقة رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي تعلن استحالة عودة عقارب الساعة إلى الوراء.

ويبدو أن القيمين على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد اتخذوا القرار بالدخول على خط حجز مكان لهم لدى الإعلام اللبناني الغارق منذ أشهر في صراع بين وجهة نظر قوى "14 آذار" المتمسكة بالمحكمة الدولية من دون أن تكون لها القدرة الكافية على حماية موقفها السياسي المبدئي من تهديدات "حزب الله" وحلفائه من جهة، وبين وجهة نظر قوى "8 آذار" التي تهدد بتدابير لا تسقط منها الحسابات العسكرية والأمنية والسياسية والمالية لإسقاط المحكمة وداعميها ومؤيدي ما يمكن أن يصدر عنها من جهة مقابلة.

وقد ترجمت المحكمة قرارها بالدعوة إلى "منتدى إعلامي دولي" يشارك فيه على مدى ثلاثة أيام في مقرها في لاهاي ممثلو 16 وسيلة إعلامية لبنانية مرئية ومكتوبة ومسموعة وإلكترونية، بالإضافة إلى عدد من الإعلاميين الدوليين المهتمين بمواكبة عمل المحاكم الدولية. وإذا كان اليوم الأول من المنتدى تضمن سلسلة طويلة من اللقاءات والشروحات والندوات والزيارات، فإن أبرز ما خرج به المشاركون هو إعلان أكهاد وتهبف قائد فريق المحاكمة في مكتب المدعي العام دانيال بلمار مواصفات القرار الاتهامي المرتقب وفقاً للآتي:

1- سيكون مختلفاً عن أي قرار اتهامي يصدر عن قضاة التحقيق بحسب متطلبات المنظومة القضائية اللبنانية، بحيث سيأتي القرار الاتهامي أكثر شرحاً، وأكثر إسهاباً في سرد الوقائع والتفاصيل الخاصة بالجريمة وبكيفية حصولها وبالتقنيات المستخدمة فيها، وسيتهم القرار أفراداً، ولن يتهم جماعات أو كيانات أو دولاً.

2- سيكون القرار مشابهاً لقرار الاتهام في جرائم الحرب التي نظرت فيها المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا، حتى أنه سيتخطاه من حيث الشروحات والتفاصيل.

3- لن يكون القرار الاتهامي مستنداً إلى القرائن الظرفية فقط، وإنما سيكون مستنداً إلى مزيج من الإثباتات المادية والوقائع الظرفية في آن.

4- لن يتضمن القرار الاتهامي مسائل قانونية كثيرة، لأن بلمار يعتبر أن القضاة العاملين في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان يعرفون جيداً هذه المسائل ويتقنونها.

5- سينحصر القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 فبراير 2005، أما الجرائم الأخرى التي يمكن أن يكتشف التحقيق صلتها بجريمة الحريري فسيترك القرار الاتهامي في شأنها إلى مرحلة لاحقة.

وقد ترك هذا الإعلان الصريح لمواصفات القرار الاتهامي انطباعاً بأن دانيال بلمار بات في مرحلة متقدمة جداً من الصياغة، مما يعزز التوقعات بقرب صدور القرار الاتهامي، خصوصاً أن المسؤولين في المحكمة أعلنوا صراحة خلال ندوات اليوم الأول أن المدعي العام الدولي بلمار باشر منذ مدة وضع قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين في صورة بعض المعطيات والدلائل والإثباتات والوقائع والوثائق التي سيستند إليها في قراره، بحيث لا يعود فرانسين في حاجة إلى كثير من الوقت لتثبيت القرار الاتهامي لبلمار تمهيداً لبدء المحاكمات.

أما برنامج المنتدى الذي يتضمن في اليومين المقبلين زيارات وحلقات دراسية قانونية - إعلامية في مقري المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة، ومحكمة الجزاء الدولية، فيشكل رسالة من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بأنها:

1- باتت جاهزة بكل هيكليتها للعمل بما في ذلك وحدتا الاحتجاز وحماية الشهود.

2- باتت جزءاً من منظومة المحاكم الدولية التي لم يلغ أي منها رغم كل الضغوط والحملات التي تعرضت لها.

3- دخلت مرحلة التعاون التفصيلي مع وسائل الإعلام اللبنانية أو الأجنبية المهتمة بتغطية أخبار عمل المحكمة، من خلال تبادل الخبرات والمقارنات مع تجارب محاكمات سابقة مماثلة بين المسؤولين الإخباريين فيها.

4- تحضر للتعاطي القريب (في غضون أيام) مع الفرق الإعلامية التي ستتولى التغطية على الأرض من خلال زيارات ستنظمها المحكمة لهؤلاء إلى مقرها في لاهاي.