في كتابه القديم «النصب التذكارية، الفن، الابتذال، والمسؤولية في العراق» الصادر سنة 1990 بذل المؤلف سمير الخليل أو كنعان مكيَّة جهداً طيباً في نقده وتحليله للنصب التذكارية في العراق تركيزاً على صدام حسين. كان المؤلف ساخراً ومحللاً لعلاقة الفن بالسياسة ومؤشراتها لتسليط الضوء على طبيعة الحكم الدكتاتوري.

Ad

الصور والنصب التذكارية هي ليست إلا مؤشراً بأن الرئيس قد استبد به «شعور بأنه سيد الماضي عن طريق نسج النظريات وعقد المقارنات مثلما يؤمن بأنه سيد الحاضر فعلاً، وهو لا يعتبر نفسه كاذباً، بل مفكراً، كل ما يقوله صحيح حتى لو كان كذباً، فالرجال هم الرجال من قادسية سعد إلى قادسية صدام»، فيتحول الوهم إلى حقيقة ويتحول المعارضون إلى أعداء الحقيقة من الواجب استئصالهم.

في أيام صدام البائسة، ترددت عبارة «شيلمهن؟»، وعندما سألت المخابرات العراقية الرجل البسيط عن قصده أفاد بأنني محتار في كيف سيتم لم وتجميع كل هذه الصور والتماثيل والنصب الخاصة بصدام والتي ملأت البلاد. وكما تقول الدعابة إن ذلك الرجل قد اختفى وراء الشمس.

بالطبع هناك فلسفة ما تجعل من الدكتاتور يصر على إقحام شكله وصورته على كل زاوية وفي كل شارع وفي كل دار. وكأنه يذكر الناس بأنه موجود، حي، يرزق، يراقب، لا يموت. أو لربما أنه لا يثق بنفسه، فيستلهم ضعفه عن طريق الصور.

الحديث في الموضوع شيق، ولكن ما إن تدور الدوائر فإن تلك الصور والنصب تذهب للجحيم، للعدم، لا يعود لها جدوى. في هذا السياق جاء حكم محكمة مصرية بإزالة كل الصور والنصب الخاصة بالرئيس المصري السابق حسني مبارك وزوجته سوزان من كل الأماكن والميادين العامة وأسماء المدارس التي بلغ عددها 540 مدرسة، وهو عدد مذهل في مصر البلد الأكثر نعومة من بلاد عربية أخرى.

أظن أننا بحاجة إلى دراسة علمية عن طبيعة الانتشار بالصور والنصب لرؤساء الدول، والتي سيستوعب من خلالها طبيعة شخصية الرئيس وطريقة تفكيره. كما أتصور أنه من المفيد تجميع هذه الصور في متحف بدلاً من تدميرها وحرقها، فمن خلالها قد نتعلم الكثير في فهم الصلف والغرور والنرجسية التي دمرت البلاد والعباد في سبيل بقاء الدكتاتور حتى وإن كان مجرد خيال ونصب وبقايا صور.