لو راجعنا بعضَ ما نشره حتى الآن موقع "ويكيليكس"، فإننا لن نجد معلومة مفاجئة وغير مطروقة وتشكل ما يمكن أن يكون سرّاً يُكشَف النقاب عنه للمرة الأولى، لهذا فإنه بالإمكان وصف كل هذا الغيض الهائل مما قرأناه بأنه أقرب إلى "النَّميمة" منه إلى الأسرار، وأقرب إلى التحليلات الصحافية منه إلى الوثائق والمستندات التي تحرص الدول في العادة على إبعادها عن التداول الإعلامي.

Ad

كثير ممّا نقله موقع "ويكيليكس" الذي أثار كل هذه الضجة الكونية هو مجرد "سواليف"، وهو شطحات خيال لا هي موثقة ولا مؤكدة ولا يمكن اعتمادها على أنها من أسرار الدول، لكنها مع ذلك قد تُفْسِد العلاقات بين دولة وأخرى، وقد تُستخدَم كمبرر لاستهداف جهة من قِبَل جهة أخرى، وهذه تبدو أنها الوظيفة التي أرادها الذين يقفون وراء "ويكيليكس" ووراء تضخيمه على هذا النحو، وإعطاء سواليفه صفة الأسرار الكونية.

ما الجديد في أن يقول "ويكيليكس" إن القيادة السورية أبلغت الأميركيين أنه إذا حُلّت أزمة الشرق الأوسط وتمّت تسوية القضية الفلسطينية وانتهى الصراع العربي-الإسرائيلي، فإنها ستقطع العلاقات مع "حماس" وستغلق مكاتب المنظمات الفلسطينية الرافضة في دمشق...؟

إنه تحصيل حاصل، إن حُلَّت أزمة الشرق الأوسط وانتهى الصراع العربي-الإسرائيلي، ألّا تبقى لا في دمشق ولا في أي عاصمة عربية أي منظمة فلسطينية مسلحة، ولعل ما يشير إلى هذا التحصيل الحاصل أن رئيس وزراء حكومة غزة المُقالة إسماعيل هنية قد قال قبل أيام إن منظمته، أي حماس، ستوافق على أي حلَّ يؤدي إلى السلام يبرمه الرئيس محمود عباس (أبومازن) مع الإسرائيليين، إذا وافق عليه الفلسطينيون من خلال استفتاء شعبي عام.

ثم ما الجديد في أن يقول "ويكيليكس" هذا، إن القوات الأميركية الموجودة في قطر تتمتع بحرية الحركة، وإنها ترابط في قواعدها على الأراضي القطرية من دون أي مقابل، وإنها ستستخدم هذه القواعد إن وصل الخلاف بين أميركا وإيران إلى المواجهة العسكرية...؟ ما السرُّ في هذه "السُّولافه"...؟ وهل الإيرانيون لا يعرفون هذا، وكذلك القطريون وكل أهل هذه المنطقة والعالم بأسره...؟!

لهذا، حتى إن أقسم الأميركيون بحياة جورج واشنطن وحياة إبراهيم لينكولن، وفوقهما إيزنهاور بأنهم لا يعرفون عن خلفية هذا الـ"ويكيليكس" شيئاً، فإنه لا يمكن تصديقهم، فهذه الفوضى التي أشاعها هذا الموقع في العالم لا يمكن أن تكون عفوية ولا يمكن إلَّا أن تكون وراءها جهة مستفيدة، ثم لا يمكن أن تكون الجهة المستفيدة إلَّا الولايات المتحدة الأميركية.