آمال: نحن الكفار... ولا فخر

نشر في 14-10-2010
آخر تحديث 14-10-2010 | 00:00
 محمد الوشيحي طبعاً الناس تعرف أنني اشتريت هذا العمود الصحافي وخصصته لسلالة "وشيح الكبير"، ودفعت ثمنه "بالتقصاد" على رأي عمي المرحوم منصور صاحب أطيب قلب في الكائنات الحية، الذي لا تخلو أي جملة في حديثه من "البدليات" والأخطاء المطبعية... ولأنني اشتريت العمود هذا فسأنقل الحوار الذي دار بيني وبين ابنتي "الحاجة عزة" واسمها في البطاقة المدنية "غلا".

تستعرض الحاجة عزة - بفرح - معلوماتها أمامي بعد أن صاغتها على شكل سؤال طفولي: "صح أميركا كفار؟"، فصعقتها: "لا. العربان هم الكفار. نحن الكفار السفلة"، وأجهزتُ عليها قبل أن يرتد إليها حنكها الذي هوى إلى الأسفل: "وأكثرنا كفراً ونفاقاً هم الذين يدّعون التديّن، ويتحدثون زوراً باسم الإسلام، لكنهم يهاجمون المصلحين من أبناء جلدتهم"، ثم استدركتُ: "آسف، هؤلاء المزورون ليسوا كفاراً بل منافقون في الدرك الأسفل من النار".

وأجزم أنها ندمت على الاستعراض أمامي بعد أن اندفق سيل حنقي أمامها فأغرقها... شوفي يا بنتي، هناك تجار ليبرالية، يقابلهم تجار دين، يتداولون الوطن بينهم كالسلعة، الفريق الأول صاغوا ليبراليتهم  على شكل عقود لمشاريع ومناقصات، وراحوا يدورون بها بين المسؤولين! يطالبون بالحريات بشرط ألا تمس مصالحهم، كذّابون أفّاقون مطأطئون، وهؤلاء كفار وملاعين خيّر، لكنهم مكشوفون مكروهون، يسيرون عراة في الشوارع... أما الفريق الثاني فهم الأخطر، إذ يمتلكون "القنبلة البيولوجية"، وهي قنبلة لا تهدم المباني بل تتجه إلى داخل الإنسان مباشرة، وتعتمد على الجراثيم والبكتيريا التي تسبب تلوث الدم وأمراض التنفس وانتشار الأوبئة، وهم أعفن من "محطة مشرف" وأنتن.

هؤلاء، أقصد تجار الدين، بعضهم أوهم الناس أن ما يجب فعله الآن هو فتح محاضر التحقيق في جريمة قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، ومعاينة مسرح الجريمة التي حدثت قبل نحو أربعة عشر قرناً. لذلك تباغض الناس وتكارهوا... وبعضهم حمل بضاعته بعد أن غلّفها بورق السولوفان وقدمها هدية إلى السلطة، متجاهلاً هموم البسطاء، ولو أنكِ ناقشتِهم وسألتِهم عن أهم القضايا لأجابوك بصوت واحد: "البنطلونات الضيقة التي ترتديها الفلبينيات هي سبب نكسة الأمة ووكستها. جزاك الله خيراً. وكل من يقول دعوا الفلبينيات ببنطلوناتهن وتعالوا نتحدث عن المظالم والبلاوي والسرقات في البلد إنما هو كافر تغريبي يصد الناس عن دينهم"، فانصرف الناس عن الجوهر وراحوا يطاردون الفلبينيات و"يقايسون" بنطلوناتهن... أما البعض الثالث من تجار الدين فقد أصبحوا "عبيد السلطة"، وراحوا يشككون في دين من ينتقد السلطة، على اعتبار أن رجال السلطة هم ولاة الأمر، وأن ديننا – بعد تزويره وتحريفه – يأمرنا لا بعدم معارضة السلطة فحسب، بل والسكوت والخنوع إذا ضربتنا السلطة على ظهورنا وأخذت أموالنا.

نحن الكفار يا بنتي لا الأميركان الذين يتلفت رئيسهم ألفاً وسبعمئة وثمانين مرة قبل أن يتخذ قراراً خوفاً  من ردة فعل شعبه. وليتكِ تقرئين ما يكتبه كتّابهم وصحفهم عن رئيسهم، وليتكِ تشاهدين ما تبثه فضائياتهم من سخرية وبهدلة للرئيس، من دون أن تُغلق صحيفة أو يحال أحد إلى النيابة، كي تعرفي أنهم ليسوا كفاراً، وإنما الكفار هم من يقلبون السالفة من تهمة في حق المسؤول مدعمة بوثائق إلى جرجرة النائب أو الكاتب الذي هاجمه إلى المحاكم.

الكفار يا بنتي هم أصحاب تلك الديوانية في الدائرة الرابعة، التي زارها نائب إمّعة، عُرفَ عنه تقبيل الأقدام، فأفسح له رواد الديوانية المكان وأجلسوه في الصدر، وراح يتحدث بثقة: هل تريدون مني أن "أبابي" وأصدّع رؤوسكم مثل مسلّم البراك والسعدون، أم تريدون مني إنجاز مصالحكم ومعاملاتكم مثل النقل والدورات الخارجية؟ ولماذا يستشيط البعض غضباً عندما أستفيد تجارياً (لاحظ، قبول الرشوة اسمه "استفادة")، وهل التجارة والمناقصات حلال على "الصقر والخرافي والغانم" وحرام عليّ؟

نحن الكفار يا بنتي ولا فخر.  

back to top