تؤكد عضوة جمعية «بيادر» النسائية عروب الرفاعي أن أداء نائبات مجلس الأمة الأربع يرتبط بتوجهاتهن السياسية والفكرية، داعية إلى منحهن مزيداً من الوقت كي تكتمل الدورة البرلمانية الراهنة. وأشارت الرفاعي إلى أن المرأة شريكة حقيقية في الدين والسياسة منذ عهد الرسول الكريم. وفي ما يتعلق بالتشريع الإسلامي نحو القضايا المعاصرة ومنها المتعلقة بالمرأة، ارتأت الرفاعي أهمية فتح باب الاجتهاد، لكن شريطة أن يكون ذلك رهناً بعلماء الدين والفقهاء، فليس للمفكرين كلهم الحق في الخوض في هذه القضايا ما لم يكونوا على دراية حقيقية بالتشريع الإسلامي وأصول الفقه.

Ad

تتحدث الرفاعي أيضاً عن التوظيف في القطاعين الحكومي والخاص، وأهمية الاجتهاد في العمل وتحقيق الذات، وقضايا أخرى كثيرة.

يدعو بعض المفكرين إلى فتح «باب الاجتهاد» مجدداً للنظر في قضايا المرأة من منظور إسلامي معاصر، ومن بينها ضرب المرأة، وصيغة الطلاق الممنوحة للرجل، وشروط زواج الفتاة وسنها القانونية، ما رأيك؟

فتح باب الاجتهاد، بعيداً عن السياسة وعن ضغوط الإعلام، فكرة واردة ومقبولة، وقد دعى إليها علماء كثر من بينهم الشيخ القرضاوي ضمن ضوابط المتخصصين الشرعيين. أمَّا فتح الاجتهاد لكل من يعتقد أنه مفكر إسلامي فبمثابة كارثة، نراها اليوم في ممارسات البعض حين يذهب الى صحيفة ما ويدلي باجتهاد ليقيم الدنيا ولا يقعدها، وهنا أحمد الله على أن لدى الناس الوعي الكافي لرفض الاجتهادات الصادرة ممن يسمّون أنفسهم مفكرين، بينما يقبلون اجتهادات علماء الدين والمؤهلين.

أقول للجميع إنه عند دراسة تشريعات الإسلام، ومن بينها ما يتعلق بالمرأة، من الضروري أن نقرأ الإسلام ونحن نضع بين أعيننا أنه دين الله الحقيقي وأن الله يحبنا ولا مصلحة له في ضررنا (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم).

قراءة الإسلام من دون الإيمان بأنه من الله، ومن دون اليقين بحب الله لنا، أمر غير مجدٍ نهائياً. فعندما تؤمن بالله وبأن القرآن كتابه، وتقرأ الأخير فاتحاً عقلك وقلبك، سترى عطاءاته من راحة نفسية وإشباع عقلي واستقرار نفسي ورضا وهدوء بال.

يقول بعض المستشرقين إن المنطقة العربية والإسلامية تملك إرثاً حضارياً وتاريخياً في اضطهاد المرأة يصعب التخلص منه، ما رأيك؟

أوافق بحذر. لا شك في أن سلوك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان مختلفاً عن عصره في كثير من القضايا ومن بينها قضايا المرأة, لأنه كان، عليه السلام، يشد قومه إلى نموذج أعلى وأسمى، هو نموذج الإسلام. ولا شك في أنه نجح في ذلك أثناء حياته، لكن بعضهم ارتدّ الى جاهليته في قضايا المرأة بالذات. في حياة الرسول الكريم، كانت المرأة شريك حقيقي في الفكر والدين والسياسة ومختلف نواحي الحياة، فلم يحجّمها الحبيب المصطفى أو يخفيها أو يحصر دورها في الانجاب ومسؤوليات البيت كما يفعل البعض اليوم. وإحدى النوادر الطريفة أن الرسول كان ينادي بناته ونساءه بأسمائهن في حياته (فاطمة وعائشة وصفية وغيرها) وأتساءل من أين جاء المسلمون اليوم بعادة إخفاء اسم المرأة الى درجة أنهم ينادونها أحيانا بغير اسمها خشية أن يكشف الناس اسمها الحقيقي.

الامثلة كثيرة على لطف الرسول واحترامه للمرأة، لكن تطبيق الرجال لذلك ضعيف مدّعين أنهم عرب ولديهم حمية وغيرة ابتدعوها ولم يأمرهم الله بها، إذ إن بعضهم يعتقد بأن إغلاق باب قضية المرأة أسهل بكثير من فتحه بروية ومتابعة وتوعية، وهذا خطأ.

ما رأيك في أداء النائبات الأربع في المجلس؟

من الصعب الإجابة عن هذا السؤال الآن لاعتبارات عدة، أولها أن سنوات المجلس الأربع لم تنقض وبالتالي فإن صورة أداء النائبات لم تكتمل. كذلك من الصعب جداً اجتزاء أداء السيدات بعيداً عن أداء المجلس ككل وعن وضع البلاد السياسي العام، فمن غير المقبول مثلاً أن نطالبهن بأداء جيد في بيئة لا تساعد على ذلك. ثم إنه من الواضح أن عملهن مرتبط بتوجهاتهن وانتماءاتهنّ، فلا تفهم أحيانا أداء أي منهن إلا من خلال الإجابة عن سؤال مفاده: ما هو انتماؤها السياسي، وهل خدمته؟ تماماً كما تسأل نفسك إلى أي مدى خدمت قضايا المرأة؟

تطالب المرأة المتزوجة من غير بلدها بمنح جنسيتها لأبنائها، الأمر الذي يرفضه كثير من التشريعات العربية ومن بينها الكويت، ما رأيك؟

أوافق تماماً على حق المرأة في نقل الجنسية إلى أبنائها، لكن ضمن ضوابط أراها ضرورية بسبب خصوصية الوضع الكويتي. فالكويتية المتزوجة من غير الكويتي يجب أن تكون قد حصلت على جنسيتها من والدها وليس من زواج سابق من كويتي، كذلك يجب أن يتحدث أولادها العربية وأن يقيموا في الكويت وأن تكون لديهم معلومات أساسية عن الكويت التي سيحملون جنسيتها. أطالب هنا بضوابط مشابهة على غير الكويتية المتزوجة من كويتي وتطالب بالجنسية الكويتية، من بينها التحدّث بالعربية والإقامة والإنجاب في الكويت.

تحدثت عن سؤال لأحد المستشرقين، يستغرب كيف تبدو المرأة المسلمة أحيانا أكثر تديناً من الرجل على رغم أن الإسلام يظلمها في كثير من القضايا.

أجبته حينها بأن الإسلام لم يظلم المرأة في أي قضية، بل أنصفها في كل شيء، وهذا ما تعلمه كل امرأة مسلمة ولا يعلمه المستشرقون وضعاف الدين. فما لحق بالمرأة من ظلم مصدره سوء تطبيق النصوص وليس تشريعات الإسلام. مثلاً، قضية شائكة كتعدد الزوجات: التعدد فُتح بضوابط، ووجوده أكثر منطقية من إلغائه التام، لكن الرجال لا يلتزمون بالضوابط، ولا بروح الدين وهديه. فالرسول الكريم منع الامام علي رضي الله عنه من الزواج الثاني على السيدة فاطمة حرصاً على مشاعرها، وهذا ترسيخ لمفهوم مهم يقول إن التعدد ليس مفتوحاً على إطلاقه، بل هو منضبط بوضع المرأة ونفسيتها، ولم يكن الرسول ليرتضي لابنته إلا ما ارتضاه لبنات المسلمين.

وفي ما يتعلّق بموضوع تعدد زوجات الرسول الكريم وتجاوزه الأربع زوجات، نعلم أن الرسول أُمر بالتعدد لأسباب يعرفها كل مسلم، ونعلم جميعاً أنه قبل النبوة فضل أن يعيش مع امرأة واحدة واكتفى بها، ما يوضح أن الزوجة الواحدة هي اختياره عليه الصلاة والسلام، وأنه لم يعدد زوجاته إلا بأمر من ربه.

يقول بعضهم إن أداء الجمعيات ذات الطابع الاجتماعي في الكويت فاتر ولا يلبي الطموح، ما رأيك؟

لا شك في أن الوضع الاقتصادي المترف ترك بصماته على الحراك الاجتماعي. وتشير إحدى الدراسات إلى أن جمعيات النفع العام لدينا تُفضل العمل السياسي على العمل الاجتماعي الجاد. لعل السبب أن تكفُّل الدولة بالفئات الضعيفة في المجتمع أضعف أهمية وجود جمعيات من هذا النوع في بلدنا، واعتقاد الناس بأن ما تبقى من العمل الاجتماعي هو مسؤولية الحكومة بالدرجة الأولى أضعف ما تبقى من العمل الاجتماعي. لذا نحتاج الى تعميق مفهوم الشراكة بين الجميع.

ما هي طبيعة ارتباطك بجمعية «بيادر السلام»؟

ارتبطت بالجمعية قبل تأسيسها وحين كانت فكرة في أذهاننا نحن المؤسِسات، وكنت آنذاك في المرحلة الثانوية. أدركنا كنساء أن لدينا فراغاً كبيراً ولدينا الموهبة والرغبة في خدمة المجتمع، وجاءت الجمعية كحضن للمواهب الشابة، تستقبلها وتدربها وتفهمها وتطلقها في المجتمع.

ماذا تقدم الجمعية للمرأة؟

هدف جمعية «بيادر السلام» دعم المرأة أثناء أدائها أدوارها الاجتماعية. فالأم تجد الدعم في دورات تقدمها الجمعية في التعامل مع الطفل وتربيته. كذلك تقدم لها الجمعية حضانات مختلفة لتساعدها في رعاية الأبناء أثناء غيابها عنهم في عملها. وللجمعية سمعة طيبة واسعة في هذين الجانبين (دورات التعامل مع الطفل، وما تقدمه الحضانات) ولديها كوادر متخصصة.

كذلك تدعم الجمعية المرأة الأم في تقديمها لدورات سلوكية وتربوية ودورات حفظ القرآن تستهدف الأطفال، والحقيقة أن هذه الدورات، تقبل الفتيات من سن ست سنوات وحتى تصبح الطفلة فتاة ثم سيدة وهكذا.

تشتمل الجمعية على مدرسة القطوف ونادي الريان لكتابة الواجبات المنزلية.

وأنشأت مركزاً خاصاً بالفتيات هو مركز إشراق، يستهدف الفتاة من 14 الى 18 عاماً، وهي السن التي تكون فيها الفتاة أحوج الى الصديقات والى الحديث الاجتماعي والدعم الدائم.

حدثينا عن تجربتك مع العمل الحكومي.

التحقت فور تخرجي في الجامعة بالعمل في وزارة الإعلام، ثم في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب حيث أعمل راهناً. كذلك عملت في مركز معلومات وزارة الإعلام، وأسست المركز مع زميلتيّ الكريمتين، سمية المسلم وانتصار القبندي.

عملنا تحت إشراف شخص رائع هو الشيخ سلمان الداود الصباح، وله بصمات لن أنساها في حياتي الوظيفية اكتسبتها منه خلال عملي معه لمدة تزيد عن 15 عاماً. كان العمل معه متعة حقيقية، فهو شديد الثقافة يتحدث في قضايا المعلومات والمسرح والفن والثقافة بل والإدارة والعمل الجماعي بتمكن لم أجده لدى غيره، فكنا نسمع له ونتنور ونتثقف.

كان الشيخ سلمان مديراً من طراز عال، يحرص على نقل خبرته وتجربته إلينا، ويتمنى أن نتفوق ونترقى، وينسب لنا كل نجاح وإنجاز بدلاً من نفسه. كذلك كان قمة في الأخلاق والأدب، وكان يعلم بوضوح أن الاختلاط مهما طال أمده بين النساء والرجال لا يعني إسقاط الكلفة والحدود.

تعلمت الكثير من الشيخ الداود، وللاستشهاد أذكر أنه قال لي عندما توظفت: «القطاع الحكومي لن يشكرك إذا احسنت ولن يعاقبك إذا اخطأت. ضعي الله أمام عينيك واعملي كما يملي عليك ضميرك من دون أن تنتظري أن يسدِّد أحد خطاك». ومرّت الأيام واكتشفت بعد 25 سنة حقيقة هذه الجملة، فالقطاع الحكومي لا يميّز العاق من أبنائه من البار، ويترك الموظفين كل يعمل على شاكلته، والبقاء للأقوى غالباً لا للأفضل، ولا شك في أن عدم استفادة القطاع الحكومي من الشيخ دليل على جهل هذا القطاع بأبنائه.

أذكر أنني عندما أصبحت في درجة (مراقب) بدأت أفكر بإحداث تغييرات كبيرة في طريقة العمل وضبط الموظفين ووضع القوانين، وأن الشيخ نبهني قائلاً: «القطاع الحكومي جبل، ومناطحته لن تضره بقدر ما تضر من ينطحه، اذا أردت التغيير في ثقافة العمل فالموضوع يحتاج الى صبر وتدرج وحكمة». وهذا صحيح تماماً، والشواهد كثيرة. جزاه الله خيراً ونفع به حيث كان.

وكيف هي تجربتك مع القطاع الخاص؟

بعد 15 عاماً من العمل الحكومي، فكرت بالعمل في القطاع الخاص، وفعلاً استقلت من الحكومة وعملت فيه مدة ستة أشهر أو أقل. كانت تلك الأشهر مريرة بكل معنى الكلمة، وأذكر أن مرارة العمل هناك احتاجت مني بعد ذلك سنوات لغسلها. ففي القطاع الخاص، أنت تحت رحمة المدير، بل وتحت رحمة مزاجه، إن شاء رفعك وإن شاء عاقبك، وهو الخصم والحكم في آن، فتركت ذلك القطاع وعدت إلى وزارة الإعلام للعمل في دار الآثار الإسلامية عند سيدة رائعة هي الشيخة حصة صباح السالم.

دار الآثار الإسلامية ذات طبيعة جادة في الفعل الثقافي، كيف وجدت تجربة العمل فيها؟

يرتبط نجاح دار الآثار بشخصية رئيسته الشيخة حصة فهي إنسانة من طراز رفيع، تعلمت منها الكثير وما زلت. تملك شخصية ساحرة للقلوب والعقول، وعندما يزورها الضيف ليقابلها للمرة الأولى، يخرج معجباً ومتعجباً من أدبها وحسن استماعها وثقافتها اللافتة وإخلاصها اللامتناهي للفن والتراث. كذلك لديها قدرة فطرية على ترك انطباعات إيجابية على الشخص حتى لو التقت به لقاء عابراً، فكلما سافرت إلى مكان أو زارت متحفاً تترك وراءها ذكريات عطرة ترفع ذكرها وذكر الكويت معها. وهي مديرة ذات روح رياضية عالية، تفرح بحواراتنا نحن المدراء حين نجلس معها، وتتقبل كل تعليق، وأذكر أنني في إحدى المرات أبديت وجهة نظري في أمر وخشيت أن أزعجها، فتفاجأت بها تقول لي: «سأعتبرك صوت الضمير في هذا المكان، وأرحب بالاستماع لما تلفتين نظرنا اليه». وأخيراً، هي زوجة بارة، فعندما تجيب عن أسباب نجاحها تحرص على القول «إن هذا النجاح لم يكن ليحصل لولا دعم زوجي لي ورعايته»، ثم تحول المقابلة للحديث عن زوجها بعد أن كان الحديث عنها. الشيخة حصة والشيخ ناصر صباح الأحمد حفظهما الله هما ثنائي يعمل بإخلاص لخدمة الثقافة والفنون الإسلامية، بارك الله فيهما وادام ودهما.

ماذا عن أسرتك؟

يغيب عمل الصباح وعمل المساء وتبقى الأسرة هي المسؤولية الحقيقية في حياتنا، والأولوية لها دائماً. فحالما تخرجت في الجامعة، وكنت آنذاك متزوجة ولدي طفلان، جاءني اتصال هاتفي للعمل في معهد الأبحاث بصفتي طالبة متفوقة، واعتذرت مع إدراكي أن مثل هذا المكان الراقي انسب لمواهبي وطموحي، والسبب طول ساعات العمل، وفضلت العمل في الحكومة للسبب نفسه. ثم، وأثناء العمل، كنت آخذ الإجازات المخصصة للأمومة رغبة مني في البقاء إلى جانب طفلي حين يكون في أشهره الأولى. وفي الوقت نفسه كنت أحاول ألا أقصر في عملي بسبب أطفالي، فالتوازن مطلوب وممكن لمن أراد. كذلك كان تطوعي في «البيادر» مناسباً حيث كان بإمكاني اصطحاب أطفالي معي للاستفادة من الأنشطة، وأطفالي جميعهم خريجو حضانات «البيادر» ومدرسة القطوف ودورات القرآن فيها.

على أي حال، استهوتني عاطفة الأمومة وأذهلتني. إنها عاطفة تعلمك كيف تحب وتعطي وتعرف الأولويات، وهي التي تجعلك تؤجل كل حلم أو طموح شخصي لصالح أبنائك وبيتك. إنها عاطفة تأخذ منك الأنانية والكسل والتمحور حول الذات، لتعطيك الغيرية والنشاط والتفكير بالآخر.

ختاماً، ما هي أمنيتك؟

أن أرد جميل هذا الوطن، ولن أستطيع. الكويت وطن أعطانا كما لم يفعل وطن لأبنائه، وأشعر أنني أريد أن أفعل كل ما أستطيع لما فيه خير وطني وأهلي. لعل الله يجعل لي سهماً ودوراً في استقرار هذا الوطن وتقدمه وخيره، وسأعمل ما استطعت من موقعي، وكلٌ منا يعمل ما يستطيع، لنتشارك في بناء هذا الوطن الغالي.