إن الأشكال الصورية التي ابتدعتها الأنظمة المستبدة الفاسدة كبديل عن وجود المؤسسات الديمقراطية الحقيقية قد ساهمت في وجود الفساد السياسي الذي يعتبر أساس الاستبداد والطغيان، وشجعت على استشرائه، وهو ما أدى إلى حرمان الشعوب من حقها في المشاركة في السلطة والثروة الوطنية.
كشفت الثورات الشعبية العربية فيما كشفت زيف الواقع السياسي الرسمي العربي الذي تشكل منذ منتصف القرن الماضي؛ نتيجة وجود أنظمة حكم مستبدة وفاسدة ترفع شعارات سياسية مضللة وزائفة، وتنشئ مؤسسات وهيئات شكلية الغرض الأساسي منها هو ضمان الاستمرار في السلطة، مما أدى إلى وجود فساد سياسي طاغٍ تقوم به وترعاه تلك الأنظمة الدكتاتورية التسلطية.لقد لاحظنا في الدول العربية التي قامت بها الثورات والاحتجاجات الشعبية وجود عدد غير قليل من الهيئات والمؤسسات الصورية التي لا تعدو كونها أكثر من أشكال «ديكور» فارغة لا دور فعليا لها على المستوى الوطني، بل يقتصر دورها على القيام بالتغطية على فساد الحكومات المستبدة من ناحية، وتجميل صورتها في المؤتمرات والتقارير العالمية من خلال إعطاء معلومات مغلوطة توحي لمن لا يعرف حقيقة الوضع الداخلي، بأن هناك مؤسسات ديمقراطية من أجل الحصول على المعونات المالية التي تقدمها المنظمات الدولية من الناحية الأخرى!ليس ذلك فحسب، بل إن هناك في الدول التي تهاوت أنظمتها السياسية أو تلك التي على وشك السقوط انتخابات، بيد أنها انتخابات مزورة، وهناك دساتير غير أنها دساتير صورية لا قيمة حقيقية لها سوى تأبيد حكم الفرد، وتسهيل عملية احتكار السلطة والثروة والامتيازات من قبل قلة قليلة فاسدة على حساب السواد الأعظم من أفراد الشعب.كما أن هناك أيضا أحزابا سياسية لكنها أحزاب «كرتونية» غير حقيقة، خذ مثلا ما كان عليه وضع «حزب البعث العربي الاشتراكي» في العراق إبان فترة حكم الطاغية صدام أو «المجلس الوطني» العراقي أي البرلمان، إذ أفرغه الطاغية صدام من مضمونه الديمقراطي، وحوله إلى شكل «كرتوني» يتحكم «الرئيس الضرورة» بكل ما يصدر عنه من قرارات، أو خذ مثلا ما رأيناه خلال الشهرين الماضيين في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن من أشكال صورية فارغة المحتوى لما يسمى أحزابا سياسية حاكمة، إذ اتضح أنها ليست سوى مجموعات انتهازية منتفعة ومرتبطة مباشرة بشخص الرئيس، ومستفيدة من وجوده، ولا تتصرف إلا بناء على أوامره، لهذا فقد اختفت تماما تلك «الأحزاب» بمجرد اختفاء شخص الرئيس أو اهتزاز وضعه السياسي، كما حصل للحزب «الوطني الديمقراطي» في مصر، وللحزب «الدستوري الديمقراطي» المرتبط بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي و»للمؤتمرات الشعبية» في ليبيا.قصارى القول إن هذه الأشكال الصورية التي ابتدعتها الأنظمة المستبدة الفاسدة كبديل عن وجود المؤسسات الديمقراطية الحقيقية قد ساهمت في وجود الفساد السياسي الذي يعتبر أساس الاستبداد والطغيان، وشجعت على استشرائه، وهو ما أدى إلى حرمان الشعوب من حقها في المشاركة في السلطة والثروة الوطنية؛ لذا فإنه لا فائدة إطلاقا من إنشاء هيئات رسمية أو شعبية صورية لا تستطيع أن تتصدى للفساد السياسي الذي يؤدي إلى الإثراء غير المشروع لكبار السياسيين والمسؤولين الحكوميين، والذي لن يتوقف ما لم يطبق مبدأ «من أين لك هذا؟»، أو ما يسمى قانون الكشف عن الذمة المالية، وهو ما رفضته الحكومة للأسف الشديد عند مناقشة الاقتراح النيابي بقانون بشأن إنشاء «هيئة مكافحة الفساد»، وهذا معناه أن الهيئة المزمع إنشاؤها ستكون هيئة صورية منزوعة الصلاحية لا تختلف كثيرا عن تلك المؤسسات أو الهيئات «الكرتونية» المنتشرة في الوطن العربي. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
هيئة مكافحة الفساد بين الشكل والمضمون
30-03-2011