وأخيراً سلم جوليان أسانج نفسه في إنكلترا، وهو إجراء طالما أعلنه من خلال محاميه مارك فليبس، لكن يبدو أن المحاكمة من خلال الإعلام كان لها هدف واضح وهو اغتيال الشخصية ليس إلا.

Ad

الكثير من الأحداث التي ضغطت على العالم في الفترة الأخيرة كان وراءها ولد شقي بشكل أو بآخر. وعبارة الولد الشقي هنا لا تعني بالضرورة معنى سلبياً، ولكنها قد تعني خروجاً عن المألوف، سواء أكان ذلك الخروج إيجابياً أم سلبياً. وهو مصطلح يستخدم على سبيل الدعابة أحياناً، وعلى سبيل المدح أحياناً أخرى. كما أن المصطلح لا يعني بالضرورة تقليلاً من شأن صاحبه. ولعل أبرز الأولاد الأشقياء هذه الأيام هو جوليان أسانج مؤسس موقع "ويكيليكس" الذي أشغل العالم قاطبة، فالكتابة عنه وعن موقعه فاقت من حيث العدد أي حدث آخر بما في ذلك تنظيم كأس العالم بكل ما حواه من مفاجآت، فمازال العالم قاطبة يتابع ويحلل ويستنتج وسيستمر في ذلك إلى زمن بعيد.

أميركا من جانبها بذلت ما في وسعها لتدمير ظاهرة "ويكيليكس" وعندما نقول ظاهرة فهي مقصودة، لأن "ويكيليكس" تجاوز حدود كونه موقعاً إلكترونياً، فقد اتفق أسانج مع خمس صحف رئيسية، منها الغارديان واللوموند ونيويورك تايمز، لنشر ما اشتهر بـ"البرقيات الدبلوماسية" الخاصة بالخارجية الأميركية. وبالتالي فإن الحديث عن موقع "ويكيليكس" قد تجاوزته الأحداث، بل إن أسانج وفي سبيل تجنبه للملاحقة الأميركية بعث بحزمة الوثائق إلى أكثر من مئة ألف شخص مشفرة، منبهاً إلى أنه إذا تعرض للأذى أو الاعتقال فسيتم نشرها على الملأ.

إذاً المسألة تجاوزت الحالة العادية للفضاء الإلكتروني. بالطبع من أسهل المخارج الذهنية لمن يتابع تطورات "ويكيليكس" أن يقول إن ما يحدث ليس إلا مؤامرة كما قال زنبغيو برزنسكي، والذي مازال يعيش في حقبة الحرب الباردة، وكأنه يتحسر عليها، فهو مؤلف "البلوك السوفياتي" ولا يبدو أنه قادر ذهنياً على مغادرتها؛ فبالنسبة له فهو يتصور أن مخابرات أجنبية لها يد في الموضوع، فإذا كان شخص بمكانة وقدرات مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق يتصور أن "ويكيليكس" هو مؤامرة على أميركا فهل نعتب على إيران والعرب وغيرهم إن فكروا هذا التفكير؟!

المسألة أكثر تعقيداً مما تبدو، كما أنها أكثر بساطة مما نتصور، ولكنها ظاهرة توحي بانتقال العالم من حالة إلى حالة، ففي حين تظل غالبية المعالجات والتحليلات تركز على تفاصيل المعلومات يتم إغفال النقلة الدولية وتأثيراتها على العمل الدبلوماسي، وهو أمر بحاجة إلى تفصيل أكبر.