عاش المصريون في 2010 عاماً آخر من الغضب، لمعتْ فيه أسماء كثيرة، أبرزها ثلاثة وجوه غيرت في شكل الواقع السياسي. أما في الشارع فقد تظاهر آلاف العمال لتحسين أحوالهم المعيشية، واستمرت طوابير أنابيب الغاز، وتظاهر الآلاف قبل مقتل الشاب خالد سعيد في الإسكندرية، وبعده ضد استمرار العمل بقانون الطوارئ "سيئ السمعة"، فضلاً عن الغضب الذي لمس قلوب المصريين بسبب الحروب الكلامية على مياه النيل، والقلق الذي ساورهم بسبب جراحة خطيرة للرئيس حسني مبارك في ألمانيا، وصفها الرئيس نفسه بـ"العلقة الساخنة".

Ad

الدكتور محمد البرادعي والدكتور السيد البدوي والدكتور محمد بديع، ثلاثة وجوه دخلت الحياة السياسية في مصر فجأة عام 2010، لكنها سرعان ما صارت أشباحاً هائلةً في مرايا نظام لم يكن يؤمن يوماً بالأشباح.

البرادعي كان أكثرهم بريقاً هذا العام، أطلَ على المصريين كثيراً من الشاشات، وأطلوا عليه قليلاً في الشوارع، التي نزلها لأول مرة، فبدا كمن يحرث الأرض من تحت أقدام حكومة مصطنعة وحزب ضعيف.

بدا الرجل العائد من سمعة دولية عريضة بجائزة "نوبل" للسلام عاطفياً وحاراً وهو يصافح الناس بكل بساطة في الشارع، تماماً مثلما بدا صلباً ومُخيفاً للنظام، حينما استضافته في أبريل الماضي قناة "سي إن إن" ليعبر عن رأيه أمام ملايين المتابعين في الغرب، فتصدى له أحمد عز رجل الأعمال الذي يمتلك واحدة من أضخم شركات الحديد ويتصرف بحرية مطلقة داخل الحزب "الوطني". في هذه اللحظة بالذات أصبح البرادعي شبحاً قادراً على تخويف نظام اعترف هذا العام - لأول مر ة - أنه لم يعد قادراً على تجاهل الأشباح. أقل من مليون توقيع حصدها الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية للضغط على النظام لتحقيق مطالب التغيير، لكنه حصد بالتأكيد أقل من مليون طعنة بالتأكيد في هذا العام أيضاً، حين دعا المعارضة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية، لكنه لم يجد أغلبية تسمعه، لا "الإخوان" ولا الأحزاب كانوا قادرين على تصديق هذا الرجل، الذي أمضى معظم أوقات عام 2010 خارج مصر.

أما السيد البدوي - المولود في طنطا في محافظة الغربية عام 1950 حاملاً اسم أشهر أوليائها الصالحين - فقد دخل السياسة المصرية في هذا العام من باب شبه شرعي، بعدما انتخب رئيساً لحزب "الوفد" التاريخي في انتخابات داخلية، وصفت بالمحايدة والشفافة، مطيحاً بمحمود أباظة بفارق كبير في الأصوات، بعد سنوات من العمل خارج السياسة، التي سرعان ما دخلها من شرفتي البزنس الدوائي والفضائي.

فبعدما أصبح رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة "سيجما" للصناعات الدوائية، ثم رئيس شعبة صناعة الدواء في اتحاد الغرف الصناعية، اتجه البدوي الى تأسيس مجموعة قنوات "الحياة" الفضائية، وانضم الى حزب "الوفد" عام 1983، لكنه لم يُنتخب سكرتيراً عاماً للحزب إلا عام 2000، واستمر في المنصب حتى عام 2005، ومنذ عام 2006 وهو عضو في الهيئة العليا للحزب، إلى أن صار رئيساً له في هذا العام.

لا يبدو مدهشاً في مصر أبداً أن يتحول البدوي من رمز للتغيير الديمقراطي في حزب "الوفد"، حين انتخب في مايو إلى شبح من أشباح المعارضة ضعيفة التأثير على النظام، في ديسمبر من العام نفسه، فقد تدهورت شعبية الرجل حين تسبب في الإطاحة بإبراهيم عيسى، من رئاسة تحرير جريدة "الدستور"، التي اشتراها، قيل إن البدوي دخلها لمصلحة النظام "عربون صداقة" للحصول على كعكة كبيرة من مقاعد مجلس الشعب (الغرفة الثانية للبرلمان). لكن شعبيته كادت تتعرض لعاصفة داخل الحزب عقب قبوله المشاركة في الانتخابات ذاتها وخروجه صفر اليدين، إلا من ستة مقاعد، بدت قادرة على تقدير حجمه كمعارض أليف، قبل بالمشاركة في انتخابات اتهمتها منظمات حقوقية بالتزوير، وودع بها المصريون سنة أخرى من الحياة تحت سلطة قانون الطوارئ.

حاول البدوي أن يكون شبحاً مخيفاً للنظام لكنه فشل، حتى حين أعلن انسحاب حزبه من جولة الإعادة في الانتخابات الأخيرة. صار البدوي قابلاً للمراوغة، على الأقل حفاظاً على مكاسبه، تماماً كما يليق بتاجر دواء يقترب من عامه الستين.

الدكتور محمد بديع أيضاً دخل الحياة السياسية في مصر منذ الشهر الأول من عام 2010، كشبح للمعارضة الشرسة أولاً، وكرجل انتخب مرشداً عاماً للجماعة في انتصار جديد لمجموعة المتشددين داخلها.

 بديع الذي انتخب مرشداً عاماً منتصف يناير، كان اختير واحداً من أعظم 100 عالم عربي - وفقًا للموسوعة العلمية العربية - التي تصدرها الهيئة العامة للاستعلامات عام 1999، على الرغم من أنه كان عضواً في مكتب الإرشاد منذ عام 1993، وسُجن عدة مرات، وظل محسوباً على تيار المتشددين لفترة طويلة. وجاء قرار المشاركة في الانتخابات البرلمانية، على الرغم من الدعوة إلى مقاطعتها لوضع النظام في حرج أمام العالم، وهو ما أفقد الجماعة جزءاً من مصداقيتها أمام الناخبين، إلى أن جاء قرار الانسحاب من الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية، لتعيد إلى الرجل جزءاً من بريقه كمعارض استطاع أن يتحول في عام واحد إلى شبح، فقد انسحبت الجماعة تاركةً المنافسة على 26 مقعداً في جولة الإعادة، تاركة المرشح مجدي عاشور نائباً إخوانياً وحيداً في البرلمان المقبل.

الأشباح الثلاثة تقاربت كثيراً عقب ما حدث في انتخابات البرلمان، فقد خرجت تصريحات مُتلفزة من الثلاثة، تفيد بأنهم سيلتقون لتنسيق الجهود في مواجهة النظام، الذي لم يعد قادراً على حصارهم، نظراً لاستخدامهم الإنترنت وسيطاً بينهم وبين الملايين خارج مصر وداخلها. وهكذا صاروا ثلاثة أشباح للغضب تستطيع أن تخرج لسانها للنظام في مصر.

صحة الرئيس... شفافية أثارت جدل الخلافة

 تعرض الرئيس حسني مبارك (82 عاماً) لأزمة صحية طارئة استوجبت نقله إلى ألمانيا مطلع مارس 2010 لتلقي العلاج، حيث خضع لعملية جراحية لاستئصال الحوصلة المرارية في مستشفى هايدلبرغ الجامعي.

و غاب مبارك بعد العملية إعلاميا عدة أيام، حتى ظهر على التلفزيون المصري الرسمي الذي تعامل بشفافية مع حقيقة مرض الرئيس. وعاد مبارك إلى شرم الشيخ في 27 مارس ليقضي فترة النقاهة بعيدا عن ضغوط عمله. وخلال مرض الرئيس، أصيبت الحكومة بالشلل لدرجة أن تعيين شيخ الأزهر الجديد تأخر لحين عودته، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لأحاديث خلافة مبارك الذي احتدم بين أنصار استمرارية النظام ودعاة التغيير.

«نحر النيل»  بسواعد أبنائه: صراع على النهر يهدد مصر بالعطش

● القاهرة – محمد نبيل حلمي

على العكس من كل أنهار العالم الكبرى، يجري النيل من الجنوب إلى الشمال، على طول 6820 كيلومتراً، انطلاقاً من منبعين رئيسيين هما: هضبة البحيرات الاستوائية العظمى والهضبة الاثيوبية، ومروراً بحوض النهر الذي يضم 8 من دول المنبع (اثيوبيا – أوغندا – اريتريا – رواندا – بوروندي – كينيا – تنزانيا – والكونغو الديمقراطية) بالإضافة إلى دولتي المصب (مصر والسودان). وحتى العام المنصرم ظل النيل سفيراً للنوايا الحسنة، يحمل لأهل المصب الماء والخصب، وينقل إلى أهل المنبع الحضارة والعقيدة، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي، إذ طفت على سطحه خلافات حادة بين "أبناء النهر الواحد" هددت بـ"نحر النيل" بسواعد أبنائه. وعلى الرغم من ارتباط دول حوض النيل باتفاقيات موقعة في أعوام 1902 و1959 لتقاسم مياه النهر، إلا أن ذلك لم يمنع دول المنبع من المطالبة بإعادة تقاسم المياه بحجة توقيعه في عهود استعمارية، في مقابل إصرار مصري وسوداني على إقرار الحقوق التاريخية للبلدين في مياه النيل والتي تٌقدر بـ 86 مليار متر مكعب سنوياً كأساس لأي اتفاق جديد حتى يحظى بالشرعية، وهو الأمر الذي تدعمه الهيئات والمؤسسات الدولية كضرورة لتمويل أية مشروعات لتنمية المياه على حوض النهر.

اللكمات بدلاً من الكلمات في مجلس الشعب

الضرب واللكمات كانت السمة الرئيسية في مجلس الشعب المصري المنصرم، إذ حلت اللكمة محل الكلمة، وحلت الإهانة محل طلب الإحاطة، وزاد على هذا استخدام الألفاظ الخادشة للحياء.

ويبدو أن هذه الصورة تحديداً أبرز ردّ على الصداع الذي مثلته جماعة "الإخوان المسلمين" في رأس النظام والحزب "الوطني" الحاكم، والتي كانت تستثير أعضاء الحزب بطلباتها واستجواباتها.

أزمة أسطوانات الغاز إحدى أبرز أزمات 2010، فالالتحاق بـ"طابور الأنابيب" كان حلما لدى بسطاء المصريين بعد اختفائها من الأسواق في يناير. الطوابير التي شهدت ازدحاما واحتكاكات عنيفة بين المصريين وصلت إلى حد استخدام الأسلحة البيضاء ووقوع قتلى. واستمرت الأزمة طوال شهور الشتاء، حتى انتهت بالتدريج.

ردَّت السلطات الأمنية المصرية على تظاهرة نظمها معارضو مد العمل بـ"قانون الطوارئ" الذي أقره البرلمان رسمياً في مايو 2010، بضرب المتظاهرين استناداً إلى مخالفتهم "قانون الطوارئ"، الذي يعترضون عليه.

تدنّي الأجور... أخرج العمال من ملابسهم

خالد سعيد "شهيد الطوارئ"... شاب سكندري وسيم، أصبح في لحظات محركاً لحملة ضد ما يتعرض له المصريون على يد الضباط داخل أقسام الشرطة، إذ لقي مقتله أثناء اعتداء شرطيين عليه بالضرب في الشارع وأمام المارة... ظل خالد مقبلاً على الحياة والمستقبل، إلى أن مات المستقبل بين عينيه في اعتداء غاشم من جلاديه اللذين اتهما "مخدر البانغو" بقتله، ومازالت قضيته منظورة أمام القضاء.

لم تكُن حرارة صيف مايو الماضي الدافع لخروج 1200 عامل في مصنع "أمونيستو" من ملابسهم، لكنه "لهيب الحاجة"، الذي دفعهم إلى الاعتصام أكثر من شهر على رصيف البرلمان المصري.

فبعد تجاهل الحكومة مطالبهم بزيادة أجرهم المتدني مثل غيرهم من ملايين العمال في مصر، لم يجدوا سوى هذا الشكل الاحتجاجي الذي ردت عليه قوات الأمن بالهراوات، في شهر اعتاد عمال مصر منذ بداية ثورة يوليو أن يحصوا فيه على منحة مالية بمناسبة عيدهم الذي يحل في الأول من مايو.

ربما كانت الأزمة الأقوى التي تهز أركان جناحي العدالة في مصر، فلأول مرة يدخل القضاة والمحامون في معركة بهذه الحدة وصلت إلى حد احتجاز قاضٍ والتعدي على آخرين بالضرب فيما عرف إعلامياً بـ"أزمة العدالة"، التي بدأت بمشاجرة بين محاميين ووكيل نيابة وتطورت إلى أزمة شغلت الرأي العام المصري أسابيع.

ورغم تدخل جهات عديدة لاحتواء الموقف، فإن الأزمة ظلت مشتعلة بسبب صعوبة السيطرة على المحامين، الذين يتخطى عددهم نصف مليون محام، والذين قرروا الإضراب عن العمل.

وجاء تخفيف الحكم على المحاميين من السجن 5 سنوات إلى 3 سنوات لكل منهما، ليقلل الاحتقان بانتظار قرار محكمة النقض (أعلى هيئة قضائية) في الطعن الذي لم يكن موعد نظره تحدد مع انتهاء عام 2010.