في رد الراحل الموسوعي لويس عوض على محمود شاكر وجلال كشك وغيرهما حين هاجموا وانتقدوا كتابه "على هامش الغفران" كتب لويس عوض تلك الكلمات في مقدمة كتابه رداً عليهم، ولعلها- بعد نصف قرن- تصير إبرة في عضل الأولياء الصالحين على معرض الهباب الكويتي القادم، فكتب لويس "... بقي أمامنا شيء واحد جدير بأن ينظر فيه: وهو أن المنهج الذي التزمته في هذه الدراسة عن أدب الآخرة بصفة عامة وعن رسالة الغفران بصفة خاصة، وهو من أولويات الأدب المقارن، هو في ذاته مصدر إزعاج للمحافظين من الأدباء والعلماء، لأن معناه فتح باب الاجتهاد من جديد في دراسة تراثنا، وهو ما لا يطيقه المحافظون لأنه قمين بأن يخلخل كثيراً من آرائنا، ومعتقداتنا الخاطئة الثابتة عن التراث. وهم ينسون أن الازدهار الأكبر في الفكر العربي إنما اقترن بفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أيام مجد العرب في الدولة العربية الكبرى خلال القرون الأربعة الأولى للهجرة، وأن انتكاسة العرب بعد الدولة العباسية الثانية لم تقترن بتفككهم السياسي فحسب، بل اقترنت أيضاً بإغلاق باب الاجتهاد منذ آل السلطان إلى المماليك والأتراك، لا ريب بسبب هذا الضعف السياسي ذاته: فالضعيف في ميكانيكية الدفاع عن النفس، وحده هو الذي يخشى الفكر الحر والبحث الحر ويرتعد أمام العلم والعقل والتجدد بوثبات الخلق وبالرؤيا الرحيبة الآفاق. والضعيف وحده، في جزعه على ذاته، هو الذي يخشى محاكمة النفس ومواجهة النفس ونقد النفس، وإحصاء ما يملك حقاً من عدة وعتاد، ويؤثر أن يعيش في عالم من أوهام الكمال وأكاذيب الفردانية المأثورة عن جنة المجانين...".

Ad

إذن، الضعفاء المفتقدون الثقة بالذات عند لويس عوض هم الذين يخشون ويهابون الرأي الآخر، والفكر الآخر. يخافون أن يخطوا ولو خطوة واحدة خارجين من سجون ثوابت يقينهم المطلق الذي أملي وفرض عليهم، ثم قاموا بدورهم، بإملائه وفرضه على الأجيال التي تليهم، وأخذوا يراوحون في مكانهم، يدورون كمعتوهين في دائرة التخلف والجمود. فالجديد يهز قناعتهم الراسخة، والجديد يزلزل الأساطير التي تضج في وجدانهم. الآخر، والإبداع، والتجديد، كلها تنقلهم من عالم الوهم والخرافة إلى عوالم البحث عن الحقيقة، والقلق الإنساني الكبير، وهو قلق الوجود الذي يخافونه وترتعد فرائضهم من نبشه... فليبقوا في مستنقعاتهم الآسنة، فولاتهم كذبوا عليهم وقالوا لهم إن مستنقعهم هو قصر السعادة بداية ونهاية... وصدق العبيط حدوتة "كان ويا ما  كان".