سعداء الدعاس شخصية جادة ممتلئة بالحب وبالعطاء لكل من حولها، لدرجة أن هذا الحب انعكس على أبطال روايتها الأولى المعنونة باسم «لأني أسود».

Ad

منذ لقائنا الأول الذي تم بعد زواجها بالصديق الذي يشبهها ويتماثل معها في إنسانيتها، وهو الكاتب المسرحي علاء الجابر، فمنذ ذاك التعارف الأول، أحببتها وأحببت صدقها وشفافية انفعالاتها المتدفقة من القلب بعفوية تكشف عن طيب معدنها، وكنت سعيدة بها وبأسرتها الصغيرة التي بدأت تنمو وتكبر وأنا أتابع أخبارها المفرحة.

وحين بدأت في قراءة روايتها، حاولت أن أفصل حكمي عليها وأحيد تقديري للرواية عن مشاعري تجاه كاتبتها.

رواية «لأني أسود» نالت جائزة الدولة التشجيعية لعام 2010 وهذا يعني تفوق الكاتبة على أقرانها من الكتاب الذين تقدموا للمسابقة ذاتها.

الرواية سجلت التقاطات الكاتبة وهواجسها وأحاسيسها الإنسانية لكل المفارقات غير الإنسانية في المجتمع، خاصة ما انعكس منها على العنصرية بكل أشكالها، وهو الأمر الذي التقطته واصطادته من كل تلك المترادفات التي تحدد مقامات الناس وتضعها في مفردات بغيضة مثل: صيني لغته الإنكليزية ضعيفة ويأكل الكلاب، مكسيكي مجرم، مكسيكية خادمة، سمين غبي، شقراء ساذجة، سعودي (...) وعنيف، مسلم (...)، أيرلندي عنيف، روسي جاسوس، بولندية (...)، إيطالي تاجر مخدرات.

وكتبت عن عنصرية اللون: كل أسود في الخليج هو مشروع عبد، وكل أسود عبد، وكل عبد أسود، وحين يغضب الأسود نقول عن غضبه «طناقر عبيد»، وعندما يرقص عند سماعه للموسيقى، نقول استنزل الجني الساكن فيه، فالخوال أهل نكتة وأهل رقص وموسيقى.

هذا الرصد بعين دقيقة حساسة وملتقطة لأدق تفاصيل الفروقات العنصرية التي تفرق الناس بعضهم عن بعض في درجات الأعلى والأدنى، والأفضل والأردأ هو الأمر الذي حز في نفس الكاتبة، وربما منذ زمن طويل تراكم في داخلها حتى ولد في هذه الرواية التي كشفت عن عيوب المجتمع المصنفة لدرجات الناس تبعا للون والعقيدة والانتماء والأهواء، مما يضعف من ترابطهم النفسي والاجتماعي ويقيم بينهم حدود الأقليات التي تفصل ما بينهم.

رواية لأني أسود تناولت تفاصيل نرجسية العنصريات كلها بقلم حمل همَّا إنسانيا تجاه هذه القضايا المؤلمة والحساسة التي كتبتها سعداء الدعاس بانحياز كبير لها، مما جعلها تتحكم بإرادة النص وتكون وصية على أبطالها الذين لم يستطيعوا التحرر من هذه الوصاية إلا في الجزء الذي يخص عودة جمال إلى الكويت، هنا تفلت النص من وصايتها وعاش حياته بحرية أكبر وبسلاسة وانسيابية أفضل، وربما يكون السبب راجعا إلى أن النصف الأول من الرواية مكتوب عن امرأة أميركية وفي أجواء غير عربية، وربما يكون حب الكاتبة الأمومي لأبطالها هو سبب الوصاية الذي لم يسمح للشخصيات بأن تُعامل بحياد تام بحيث لا نسبغ عليها حبنا لها أو كراهيتنا.

الرواية ملكت تقنية موفقة وجيدة مما يدل على قدرات مستقبلية واعدة لسعداء الدعاس، فقد تمكنت من اللعب بالزمان والمكان وبالتنقل بينهما.

لغة الرواية منضبطة وخالية من الأخطاء التي تصيب عادة الرواية الأولى.

ومن الجمل التي أعجبتني في الرواية والتي تدل على نضج تفكير الكاتبة رغم صغر سنها ما يلي:

● هكذا علمتني حياتي القصيرة، كلما تضاءل حجم الاختلاف كلما ازداد التفاعل بين الطرفين، كلما شعرت بالأمان.

● عندها أيقنت أن الناس هم الذين يصنعون الوطن، وهم من يهدمونه أيضا.

● اليوم أفكر كثيرا بأميركا، كوطن، حضن لا يحاسب، لا يعاقب، لا يتملل، حضن يستجيب بلا سؤال.

● الصق كل نكتة بصاحبها، دعها تنهش عنجهيته، تمص دمه الملكي، ليعرف كل منهم طعم الألم.