إعلامنا المُغتصَب

نشر في 21-11-2010
آخر تحديث 21-11-2010 | 00:00
 حسن العيسى "إن مسألة تدهور الإعلام هي التي تطرح نفسها على الساحة السياسية"، بهذه العبارة لـ"بيار ريمبير" فتحت مجلة "لوموند دبلوماتيك" في عددها الأخير ملف "زواج القُربى بين الصحافة والسلطة والمال"، ومضت المجلة لتنبش دور الإيديولوجيا المسيطرة في المجتمع في تكريس ذاتها حين تهيمن على الإعلام، حتى لا يسبب الأخير الإزعاج لأي شخص، طبعاً هذا الشخص يُفترَض أن يكون من رموز السلطة أو صاحب المال، أو من حراس العقيدة...، والتعبير الأدق من زواج القُربى بين الصحافة والسلطة والمال هو  اغتصاب حريات الضمير (حرية التعبير والاعتقاد والنشر...)، من السلطة السياسية أو من سلطة المال أو من سلطات اجتماعية، فلا يوجد هنا زواج قُربى، بل سلطةٌ غاصبة -من دون تحديد نعتها- ورأي مُغتصَب، والسلطة ليست بالضرورة أن تكون سلطة الحكم الرسمية، فهي أحياناً تكون سلطة المال، حين يُسخِّر صاحب الجريدة أو القناة التلفزيونية أو أي وسيلة إعلام أخرى يملكها جريدتَه أو قناتَه، لمصالحه الخاصة مصوِّراً فسادَه على أنه العدل ويحقق المصلحة العامة...! أو يستغل ملكيته للطعن في خصومه، وهنا يصبح الكاتب أو مُعِدُّ البرنامج مخلبَ القط لأصحاب الملكية.

وقد تكون السلطة اجتماعية مثل سلطة الجماعات الدينية في الكويت على سبيل المثال، فتلك الجماعات وإن لم تمتلكْ وسائل الإعلام،  فالأخيرة تتواطأ معها لتكريس حال الغيبوبة العقلية في الدولة، فهناك الصفحات الطويلة لتفسير الأحلام للفقيه ابن الأوهام، وهناك صفحات الترويع والزجر للحرية، تُلبَّس عبارات الأخلاق والعادات والدين... ولا بأس أن تنشر الصحيفة أخباراً رخيصة مثل: الأمن يكشف وكراً للدعارة، القبض على وافد مع مواطنة في وضع "مثير"، أو الأمن يقبض على ثلاثة بنغاليين يصنّعون الخمور المحلية، فهنا الخبر اللاهث خلف "الإثارة" على تفاهته يروِّج  لسلطة الدولة الرسمية ومسؤولها الأمني، وفي الوقت ذاته يخدم أصحابُ الخبر -بقصد سيّئ أو ببلاهة السبق الصحافي- القوى المحافظة الدينية حين تتم المبالغة في تصوير الفساد الأخلاقي في الدولة، ولابد حينها من تدخل حراس القيم والعادات لحفظ ثوابت المجتمع... فتبدأ الأسئلة البرلمانية الجوفاء... ويهرول نواب القيم لتقديم الاقتراحات بقوانين لقبر ما تبقى من الحريات الشخصية في الدولة.

صور اغتصاب الحريات من قِبَل السلطات السياسية والاجتماعية  عبر وسائل الإعلام لا حصر لها... إذ يكفي أن تفتحوا صفحات بعض جرائدنا اليومية أو تتفرجوا على بعض القنوات التلفزيونية،  لتتأملوا كيف يدسُّ آسياد المال والسلطة السُّمَّ في الدسم.

back to top