«الطرثوث... رونالدو»!
"طراثيث"... "لفو"... "جنقل"... وألقاب أخرى متفرقة أطلقها أحدهم على مزدوجي الجنسية بدافع التحقير والتخوين والهمز واللمز بمواطنتهم وانتمائهم، فأثار ضجة كبيرة لم تتوقف طوال العام في الصحف والقنوات الفضائية والمنتديات الإلكترونية، وبسببها تحول إلى بطل في نظر البعض لتصويره هذه القضية كقضية الوطن الأولى وإعطاء انطباع بأن هناك خطرا داهما يترصد البلاد من قبل هؤلاء "المزدوجين"، وكأنما هم خلايا إرهابية تجتمع بسرية لإنجاز مخططاتها التخريبية، وإن لم نقض عليها فإن الله وحده يعلم ماذا سيحدث لنا من قبلهم، فهل هذا الأمر صحيح؟! وهل ازدواجية الجنسية أمر مهم لهذه الدرجة؟! وهل المقياس الحقيقي لانتماء الإنسان إلى وطنه أن يحمل جنسيته فقط؟! وهل ازدواج الجنسية بدعة كويتية قام بها الكويتي من دون خلق الله؟!الواقع يقول إن هذه القضية ليست وليدة اليوم لنعتبرها ظاهرة جديدة وخطيرة، فهي قديمة قدم قيام الدولة، والمزدوجون موجودون منذ بدء التجنيس في الستينيات، ولا أزال أذكر وأنا طفل أن هناك جيرانا لنا يؤجرون بيوتهم ولا يأتون إلا أول كل شهر ليستلموا الإيجارات لأنهم يقطنون في بلدان مجاورة، فالأمر ليس بجديد، لكن الجديد هو إثارته لغاية يعلمها الله وحده، فعلى ما يبدو أن الحكومة تستغل هذه القضية كورقة ضغط تنتفع منها عن طريق التهويش لبعض النواب بفتح هذا الملف الذي أهملته لسنوات طويلة، وقد وجد باحث عن الشهرة ولا قضية له ضالته في هذا الأمر، فراح ينكأ الجراح كل يوم بالهمز واللمز على فئة هي الأكبر في المجتمع الكويتي، و"هات يا ردح ويا قلة ذوق" على الهواء مباشرة دون حسيب أو رقيب، لينفجر الناس غضبا من رداءة الأسلوب ورعونة الطرح وبذاءة الألفاظ، ومن التفاهة والكيدية والتقصد لفئة من المواطنين دون غيرها!
وتساءل المخلصون وهم يرون هذه "الهليلة" الإعلامية وهذا الهجوم العنيف على مزدوجي الجنسية، ماذا فعل هؤلاء؟! هل قاموا بالتعاون مع الاحتلال العراقي؟! هل قاموا من قبل بأعمال تخريبية راح ضحيتها عدد من المواطنين والمقيمين؟! هل سرقوا أو اختلسوا الملايين من المال العام ثم عاثوا في الوطن فسادا؟! هل هناك إحصائية رسمية تشير إلى أنهم الأكثر ارتكابا لجرائم القتل والاغتصاب وتهريب المخدرات؟! هل ثبت على أي منهم أنه تخابر مع دولة أجنبية بهدف الضرر بالوطن والمواطنين؟! نورونا يا من تعلمون ببواطن الأمور، فنحن مثلكم، نريد أن نقتنع بأهمية هذه القضية وخطورة هؤلاء القوم!شخصيا، لم أسمع بحياتي أن هناك مشكلة في أي دولة من دول العالم اسمها ازدواج الجنسية، بل كل يوم أقرأ خبرا يقول إن اللاعب الفلاني والممثل الفلاني منح الجنسية الفلانية، ولم أسمع أن أحدا غضب منه أو اتهمه بوطنيته وولائه، خذوا عندكم على سبيل المثال اللاعبين البرازيليين (رونالدو ورونالدينيو وروبرتو كارلوس) الذين حصلوا على الجنسية الإسبانية إضافة لجنسياتهم الأصلية، فيما حصل زملاؤهم (كاكا وليوناردو وأماوري) على الجنسية الإيطالية، ومع ذلك، لا يزالون معبودي الجماهير في أوطانهم ولم يعتبرهم أحد من "الطراثيث" لسببين اثنين: الأول أن التفاهة والسخافة والانحدار الإعلامي لديهم لا تعادل عُشر ما لدينا، والثاني أن حكومتهم لديها من المشاكل "الحقيقية" ما يغنيها عن افتعال مشاكل "وهمية" لإشغال الناس عن فشلها وخيبتها!أرجو ألا يفهم كلامي خطأ، فأنا لا أؤيد ازدواج الجنسية لمخالفته للقانون، لكنني أعجب من الحديث عن المزدوجين وكأنهم ارتكبوا أعظم الكبائر والموبقات، فيما هم مجرد مخالفين للقانون، وعليهم أن يصححوا أوضاعهم بالتخلي عن الجنسية الأخرى وهم رافعون رؤوسهم وواثقون من أنفسهم، فهم ليسوا بخونة أو متآمرين، هم في أسوأ الأحوال متنفعون ومستفيدون من ازدواجيتهم، وهم بذلك لا يختلفون كثيرا عن غير المزدوجين الذين يدعون الإعاقة ليحصلوا على المميزات التي تمنحها الدولة للمعاقين وعددهم بعشرات الآلاف، والذين يسجلون كعاملين في القطاع الخاص ليتسلموا دعم العمالة وهم جالسون في بيوتهم، والذين يقومون بعمل عقد زواج صوري ليحصلوا على قرض الزواج الذي تقدمه الدولة ثم يطلقوا الزوجات المتعاونات معهم بعد أن يأخذن نصيبهن من القرض، فليس بالضرورة أن يكون المرء مزدوجا كي يحلب الوطن حتى آخر قطرة!مرة أخرى، الازدواجية مخالفة لقانون الجنسية وليست خيانة للوطن، وعلى الدولة أن تقوم بواجبها باستدعاء كل من ثبت أن لديه جنسية أخرى لتخيره بين جنسيته الكويتية وجنسيته الأخرى، دون ترك المجال للبعض كي يمارس هوايته بإثارة الفتن والأحقاد عبر الطعن في ولاءات فئة من المواطنين وتمييزهم عن الآخرين حسب ما يشتهي مزاجه ومزاج من يدفعه إلى ذلك!