تطالب بفقه عقلاني جديد للمرأة د. فوزيّة العشماوي: الإسلام دين الزوجة الواحدة والتعدّد رخصة مقيّدة

نشر في 27-08-2010 | 00:00
آخر تحديث 27-08-2010 | 00:00
د. فوزية العشماوي، رئيسة منتدى المرأة في المؤتمر الإسلامي الأوروبي وأستاذة التاريخ في جامعة جنيف، وإحدى المسلمات اللواتي استوطنّ الغرب منذ سنوات بعيدة وأخذن على عاتقهن مسؤولية الدفاع عن قضايا المرأة سواء في الداخل العربي والإسلامي من خلال مشاركات متجددة في المؤتمرات والندوات، أو في الغرب عبر مواجهة المستشرقين الغربيين وآلة الإعلام الغربية التي تسعى دائماً الى التشكيك في الإسلام عقيدةً وشريعةً عبر بوابة قضايا المرأة.

العشماوي أحد المهتمّين بإبراز جوانب ومقارنات بين وضع المرأة في الإسلام وشخصيتها وأهليتها المالية والقانونية في الأديان والحضارات الأخرى. «الجريدة» التقتها خلال زيارتها الأخيرة للقاهرة وتعرّفت إلى آرائها الخاصة بقضايا المرأة المسلمة في سياق الحوار التالي.

من وجهة نظرك، ما الرسالة الاجتماعية المفروضة على المرأة المسلمة؟

حمّل الإسلام المرأة رسالة اجتماعية مهمة وجعل لها دوراً فاعلاً وواضحاً داخل المجتمع وليس داخل أسرتها الصغيرة فحسب، إذ أمر الله سبحانه وتعالى كلاً من الرجل والمرأة بأداء دورهما الاجتماعي وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس جميعاً رجالاً ونساء ولم يخصّ المرأة بأمر محدود بل إن الله تعالى جعل المجال أمامها مفتوحاً مثلها في ذلك مثل الرجل، وهذا ما جاء في قوله تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» التوبة 71. وكي تستطيع المرأة أداء دورها الاجتماعي الذي حدّده لها الإسلام، على المجتمع الإسلامي أن يوفر لها الاحترام اللائق بها ويفسح لها المجال في أماكن العبادة ومجالس العلم والمجالس النيابية ومجالس القضاء وأن يعاملها كإنسان كامل الأهلية.

للمرأة حقوق كثيرة أقرّها لها الإسلام تتساوى فيها مع الرجل، فما هي أهم هذه الحقوق؟

أولاً، حق التعليم، إذ حثّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) على طلب العلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم»، وعلى تعليم النساء، فكانت معظم زوجاته رضوان الله عليهن يجدن القراءة والكتابة، وتؤكد لنا كتب السيرة أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت أحد أهم مراجع السيرة النبوية الشريفة وكانت فقيهة تراجع الرواة والقراء والفقهاء، وقد نقل لنا التاريخ الإسلامي أن كثراً من كبار العلماء والفقهاء تلقوا العلم على يد النساء. ثانياً، حق استقلال الذمة المالية، إذ منح الإسلام المرأة الأهلية المستقلة وحرية الذمة المالية قبل الحضارات والأديان الأخرى كافة، وكفل لها عقود المدنيات من بيع وشراء ومباشرة عقود التصرّفات بجميع أنواعها والتصرّف في أموالها وممتلكاتها، ولها مطلق الحرية في إدارة أملاكها من دون تدخّل من أي رجل سواء كان أباً أو أخاً أو زوجاً أو ابناً إلا بإذنها ورضاها، وأعطاها القرآن أيضاً الحق في أن تفدي نفسها بالمال وتتخلّص به من أذى الزوج أو سوء معاشرته لها مثلما جاء في الآية الكريمة: «فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» البقرة 229. ثالثاً، حق العمل فلم يمنع الإسلام المرأة من ممارسة العمل خارج بيتها فأسماء بنت أبي بكر باشرت العمل في أرض زوجها الزبير بن العوام، تقول: «فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ .. فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال». كانت المرأة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تعمل في التعليم، فالشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس علَّمت القراءة والكتابة وكانت معلِّمة حفصة بنت عمر بن الخطاب أم المؤمنين، وقد تميزت بالحكمة ورجاحة العقل حتى أن عمر بن الخطاب عندما أصبح خليفة ولاها ولاية الحسبة أي وزارة التجارة والأسواق، والأوزان والمعاملات، فكانت تراقب وتحاسب وتفصل بين التجار وأهل السوق من الرجال والنساء، وتعتبر الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس أول امرأة تتقلد منصب وزيرة في الأمة الإسلامية. رابعاً، حق اختيار الزوج إذ يكون عقد الزواج باطلاً من دون موافقتها. خامساً، حق الاحتفاظ باسمها، إذ يحقّ لها الاحتفاظ باسمها واسم أبيها وعائلتها ولا ينمحي اسمها بالزواج، والاحتفاظ بالاسم إنما هو أكبر دليل على مساواة الإسلام للمرأة بالرجل فهي كائن مستقل وليست مثل المرأة الأوروبية والأميركية التي كانت حتى سنوات قليلة تفقد هويتها بالزواج وينمحي اسمها واسم عائلتها وتأخذ اسم زوجها وعائلته.

تحرِّم أصوات إسلامية كثيرة اليوم على المرأة الخروج من بيتها للعمل أم لشؤون أخرى أو لمخالطة الرجال لأمور دنيوية، ما تعليقك على ذلك؟

هذه أقوال باطلة ولا أساس لها من الصحة ولا دليل يدعمها في الشريعة الإسلامية لأن الإسلام أقرّ للمرأة ما يسمى بالحقوق الاجتماعية، وقد تمتّعت في عهد الرسول بحقوق اجتماعية كثيرة فلم تكن محبوسة في البيت كما يعتقد كثير من الناس بل كانت تلبي الدعوات وتخرج الى اجتماعات عامة في مسجد الرسول في المدينة والتي كان يدعو إليها مؤذن الرسول بلال رضي الله عنه، كذلك كانت النساء تذهب إلى مسجد الرسول للصلاة وراءه ولسماع دروسه وخطبه الدينية وما ينزل عليه من وحي، وطالبناه أيضاً بدروس خاصة بهن في المسجد لأن الرجال يغلبوهن عليه في المسجد فاستجاب لذلك، ما معناه أن النساء كنّ يحضرن دروس الرسول العامة في المسجد إلى جانب الرجال، ولكن نظراً الى كثرة عددهم كنّ لا يتمكنّ من توجيه الأسئلة إلى النبي مباشرة لذا طالبن بتخصيص دروس لهن وحدهن، ففسّر الفقهاء ذلك بضرورة فصل الرجال عن النساء في الدروس العامة فيما كانت النساء في عهد الرسول يصلّين في صحن المسجد نفسه خلف الرجال، ومنذ عهد الرسول والخلفاء الراشدين وعبر التاريخ الإسلامي شاركت المرأة المسلمة مع الرجل جنباً إلى جنب في الحياة الاجتماعية وفي جميع مجالات العمل الاجتماعي وفي الكفاح لنشر الإسلام والحفاظ عليه، وهذه الأدلة كلها تدحض شبهات من يحاول حبس المرأة المسلمة في منزلها تحت أي ذريعة واهية، فهذا الكلام يأتي تحت راية التشدّد وكله باطل ولا أساس له في التاريخ أو الفقه الإسلامي.

ثمة من يدعو إلى تعدّد الزوجات ويتفاخر بذلك على شاشات الفضائيات ويزعم بأنها سنة فكيف تنظرين إلى هذه القضية؟

أساساً، بدأت قضية تعدّد الزوجات تتراجع في عصرنا الراهن، إذ أصبحت الحياة في المجتمعات الحديثة معقّدة وباهظة التكاليف ولم يعد باستطاعة معظم الرجال الزواج بأكثر من واحدة، وتؤكد الإحصائيات في جميع الدول الإسلامية أن نسبة التعدّد لا تتعدى الـواحد في المئة وهي نسبة ضئيلة جداً ولا تستحق أن نهتم بها هذا الاهتمام المبالغ فيه كلّه، فالتعدّد جاء ذكره في آيتين كريمتين كتصريح للرجل بأن يتزوج بأكثر من واحدة على ألا يزيد عدد الزوجات على أربع، لكن هذا تصريح استثنائي مشروط بالعدل بين الزوجات وليس سنة أو قاعدة إجبارية تلزم الرجل بالزواج من أكثر من واحدة، فالزوجة الواحدة هي القاعدة والتعدّد هو الاستثناء استناداً إلى الآية الكريمة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً» النساء 3، وليس بوسع أي إنسان مسلم أن ينكر التعدّد المقيّد، فالإسلام هو دين الزوجة الواحدة أما التعدّد فهو رخصة مقيدة ولها شروطها، وقد جعلته الظروف الاجتماعية الراهنة في العالم العربي والإسلامي ظاهرة في طريقها إلى الزوال.

قضية القوامة، أحد الأمور التي يستغلّها البعض كنوع من السيطرة على المرأة من دون وعي، فهل يمكنك تفسير معناها بشكل مبسّط؟

يؤكد الخطاب القرآني القوامة وقد أعطى للرجل أفضلية على المرأة طبقاً للآية الكريمة «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» النساء 34، وهي تعني درجة في سلم القيادة أو في إدارة الأسرة فالرجل هو رئيس الأسرة ويتحمّل مسؤوليتها وله الكلمة العليا، أما المرأة فهي مدير عام الأسرة تديرها كيف تشاء، ونضرب مثلاً على ذلك إدارة الدولة في دول أوروبية كثيرة حيث يكون الملك أو رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ويساعده في إدارتها رئيس الوزراء أي رئيس الحكومة، وفي مصر حين يتحدث الأزواج عن زوجاتهم يقولون «الحكومة»، فالمرأة هي بالفعل الحكومة التي تحكم البيت والرجل هو رئيس البيت. إذاً قوامة الرجل على المرأة في الإسلام لا تلغي دور النساء وإنما تعطي درجة أعلى للرجل في سلّم القيادة.

ما السبب الرئيس برأيك في اتخاذ الغرب قضية المرأة كوسيلة للهجوم على الإسلام؟

مسألة المرجعية الدينية، فوضع المرأة في الإسلام تحكمه ثوابت دينية كثيرة، وخصوصاً في قضايا الميراث والقوامة وغيرهما. في الحقيقة، يتّخذ الغرب من هذه القضايا وسيلة للهجوم على الإسلام معتمداً على تفسيرات بعض الفقهاء، أما المرأة في الغرب فلا تحكمها أي مرجعية دينية بل المادة فحسب، وبالتالي فإن حياتها تختلف تماماً عن حياة المرأة المسلمة، وهؤلاء الذين يثيرون قضية المرأة في الإسلام هم المستشرقون الغربيون وبعض السياسيين الذين يدخلون في صراعات مع العالم الإسلامي. وما يثيره الغرب حول المسائل التي يدعي فيها أن المرأة المسلمة مضطهدة ومظلومة ولم تأخذ حقها، فإن فيه مغالطات كثيرة ومخالفة للحقيقة، إذ راعى الإسلام مصلحة المرأة في كل ما قرره، مثلاً من يهاجم الإسلام من خلال ميراث المرأة لا يفهم نصوص القرآن الكريم جيداً وما يريده هو التشكيك في ما قرره الإسلام، فالإعلام الغربي يركّز بصفة خاصة على الكتابات التي وضعها المستشرقون غير المنصفين حول قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية، وفي هذا الصدد يتهمون الإسلام بأنه لا يعطي المرأة حق المساواة مع الرجل، بل يعتبرون أن مكانة المرأة في الإسلام أدنى من مكانة الرجل، ويبرر هؤلاء هذه الادعاءات بأن الخطاب القرآني يقرّر أن الرجل أفضل من المرأة محتجين بما جاء في قول الله سبحانه تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ» النساء 34. كذلك، يتعمّد الإعلام الغربي الاستشهاد ببعض الآيات القرآنية خارج إطار النص القرآني المتكامل، مجتزئاً إياها ليفسّره بما يتفق وموقفه سابق التجهيز، ما يؤكد سوء نية المحاولات الإعلامية الغربية في التعامل مع الإسلام.

هل نحتاج إلى تجديد فقه المرأة، خصوصاً بعد افتراءات الغرب على الإسلام؟

الأسلوب التقليدي المتجمّد في عرض قضايا المرأة المسلمة لم يعد يتناسب مع منطق وتفكير وعقلية المتلقين من الشباب المسلمين في مجتمعاتنا المنفتحة على الحضارة الأوروبية والأميركية، لذلك علينا أن نجدّد فقه المرأة، ونتبع منهجاً مختلفاً في عرض قضايا المرأة المسلمة يرتكز على الأسلوب العقلاني البراغماتي المبني على المنطق السليم، والنظريات العلمية، والإقناع بتنفيذ المبررات والحجج، واللجوء إلى المراجع القانونية، والعلمية والتاريخية لإثبات قوة الذريعة ومنطق العرض وتسلسل الأفكار المقنعة، فأبعاد صورة المرأة المسلمة النمطية في الوجدان الغربي غير المسلم تتضح من خلال الافتراءات المنتشرة في الإعلام الغربي ضدها بأنها مضطهدة، ولا تتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل المسلم، ومن أهم تلك الافتراءات أن المرأة المسلمة لا تتمتع بالمساواة مع الرجل، ولا بحق العلم وحق العمل، وألا رأي لها في مسألة زواجها، واختيار شريك حياتها، وهي تباع له فيدفع لها مهراً، وأن الإسلام يعطي للرجل المسلم حق ضرب زوجته، ولا يمنحها حق الطلاق، ويفرض عليها الحجاب، وأنه حرم الجنة على النساء، ووعد الرجال فحسب بالحور العين في الجنة، وغير ذلك من الافتراءات التي تحتاج منا الى الرد وتوضيح عظمة الإسلام وإنصافه النساء.

د.فوزية العشماوي في سطور:

من مواليد الإسكندرية في مصر.

حصلت على ليسانس الآداب من جامعة الإسكندرية عام 1965 ثم ماجستير من جامعة القاهرة عام 1971 ثم دكتوراه من جامعة جنيف عام 1983، وهي أستاذة في قسم اللغة العربية في جامعة جنيف ورئيسة القسم الأسبق.

تحمل الجنسيتين المصرية والسويسرية وتتحدث خمس لغات إلى جانب اللغة العربية هي: الفرنسية، الإنكليزية، الألمانية، الإيطالية والإسبانية.

شاركت في مؤتمرات عدة في دول عربية وإسلامية وأوروبية.

نشرت الكثير من الأبحاث والمقالات باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية في مجلات علمية متخصصة عدة في العالم العربي والإسلامي وفي الدول الأوروبية.

لها الكثير من المؤلفات باللغتين العربية والفرنسية أبرزها:

«الإسلام في كتب التاريخ المدرسية الأوروبية»، «المرأة في أدب نجيب محفوظ»، «صورة الإسلام في المناهج الدراسية في الغرب»، «المرأة المسلمة في الإعلام الغربي»، «الإسلام في أوروبا»، «نقد أدبي لمسرحية «محمد» لفولتير»، «النبي محمد في الأدب الفرنسي في عصر التنوير»، «المرأة ومصر الحديثة»، «صورة الآخر في كتب التاريخ المدرسية في بعض دول البحر المتوسط»، «أوضاع المسلمين في سويسرا»، و{الإسلام في المناهج الدراسية في أوروبا».

back to top