إن الوضع الداخلي في باكستان بالغ الخطورة، والواقع أن العديد من التساؤلات الخطيرة تُثار الآن حول ما إذا كانت البلاد قادرة على البقاء في هيئتها الحالية.

Ad

وتنبع مثل هذه التساؤلات من المخاوف المتزايدة من إقدام الجماعات الإسلامية مرة أخرى على بذل محاولات جادة للاستيلاء على مقاليد السلطة في البلاد، وإذا لم يكن ذلك ممكناً بسبب الوجود العسكري الواسع والمنضبط، فقد يحاول الإسلاميون إيجاد بعض المساحة لأنفسهم، حيث يصبح بوسعهم إنشاء نظام منفصل للحكم ينحاز على نحو أكثر تشدداً لما ينظرون إليه باعتباره مبادئ الإسلام.

ولقد نجحت المؤسسة العسكرية في عام 2009 في صد محاولات الجماعات الإسلامية السابقة لخلق مثل هذا الحيز، عندما تمكنت من طرد قوات المتمردين إلى خارج منطقة سوات الحساسة والوكالة القَبَلية في جنوب وزيرستان.

ولكن اليوم قد لا تكون المؤسسة العسكرية في باكستان مستعدة للعمل بالقدر الذي أظهرته آخر مرة من القوة والاقتناع، والواقع أن عزيمة المؤسسة ورغبتها في التصدي للنفوذ الإسلامي المتزايد ضعفت إلى حد كبير بفعل حدثين مؤسفين: اغتيال سلمان تاثير حاكم ولاية البنجاب، وهي المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في باكستان، ومقتل اثنين من الشباب في الشهر الماضي على يد مسؤول أميركي يدعى ريموند ديفيز.

فقد أدى مقتل تاثير إلى انطلاق تظاهرات عامة ضخمة في دعم القاتل المزعوم بزعم أنه قتل السياسي الذي شكك في مضمون «قوانين الحدود»، والواقع أن هذه القوانين، التي أصدرها البريطانيون في الأصل في الهند في زمن الاستعمار، والتي أصبحت أكثر وحشية مع تعاقب الإدارات الباكستانية المتعاقبة، تجرم أي تعليق يُرى فيه الإساءة للإسلام أو النبي محمد وتعاقبه بالإعدام.

وكان من بين أحدث أهداف قوانين الحدود امرأة مسيحية قيل إنها ألقت تعليقاً مسيئاً، ولقد تعهد تاثير بعدم السماح بتنفيذ عقوبة الإعدام في تلك السيدة.

ولقد أدت حالة ديفيز إلى تعقيد علاقات باكستان بالولايات المتحدة، والتي كانت متوترة بالفعل بسبب تقاعس المؤسسة العسكرية عن التحرك إلى شمال وزيرستان، التي تحولت إلى دولة مصغرة داخل باكستان أطلقت منها حركة طالبان عملياتها في أفغانستان ضد قوات الولايات المتحدة. ومع مطالبة الشارع الباكستاني الآن باتخاذ التدابير اللازمة للتصدي «لمقتل» شابين من لاهور، فقد كان من غير المرجح أن تتحرك القوات العسكرية على أي نحو قد يُنظَر إليه باعتباره استجابة للضغوط من جانب إدارة أوباما.

وحتى قبل أن تهتز أركان النخبة الحاكمة الباكستانية بفعل حالات القتل في شوارع باكستان، والاضطرابات في تونس ومصر، بدأت بالتخطيط لتدابير تهدف إلى تهدئة المواطنين الضجرين على نحو متزايد. فضلاً عن ذلك فإن العديد من كبار أعضاء حكومة الرئيس آصف علي زرداري يرون أن التطورات الجارية في تونس ومصر من غير الممكن أن تتكرر في باكستان.

حتى أن رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني قال لأعضاء الصحافة الغربية: «إن مؤسساتنا فعّالة والديمقراطية عاملة»، وكان بوسعه أن يضيف أن الحزب المعارض الرئيسي، الجماعة الإسلامية في باكستان، كان راضياً بتركه يحكم إلى أن تعود البلاد إلى صناديق الاقتراع في وقت ما من أواخر عام 2012 أو أوائل عام 2013. وكانت هناك أيضاً إشارات واضحة إلى أن المؤسسة العسكرية لم تكن ميالة إلى المغامرة بالتدخل في السياسة مرة أخرى، كما فعلت عدة مرات في الماضي.

ولكن جيلاني لم يكن متوازناً بالكامل، فمع تفكك نظام حسني مبارك في مصر، قرر جيلاني الدعوة إلى استقالة حكومته بأكملها، وبمبادرة من الوزير الكبير أمين فهيم من مقاطعة السند أولا، قدم كل أعضاء مجلس الوزراء استقالاتهم لرئيس الوزراء في الرابع من فبراير.

وفي نفس اليوم، فوضت اللجنة التنفيذية المركزية لحزب الشعب الباكستاني رئيس الوزراء بإعادة تعيين مجلس وزراء مصغر بعدد أقل من الوزراء الذين يتمتعون بسمعة طيبة من الاستقامة والنزاهة والكفاءة والفعالية، ولقد جاء التحرك الأخير في ذلك الاتجاه في التاسع من فبراير، عندما صرف جيلاني مجلس وزرائه الضخم في حفل غداء متعجل لتوديعهم، وبعد يومين أدى اليمين الدستورية عدد أصغر من الوزراء.

لقد اتخذ جيلاني خطوته هذه ليس في استجابة للتطورات في الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً على سبيل الاعتراف بمدى ضآلة ما قدمته العودة إلى الديمقراطية من خير للمواطنين الباكستانيين، والواقع أن المسؤولين يدركون أيضاً أن التغيير في مجلس الوزراء لن يُنظَر إليه إلا بوصفه مجرد واجهة زائفة ما لم يبين للناس أن الحكومة لديها خطة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار وتخفيف الأعباء التي يتحملها المواطنون العاديون.

فقد أصبح معدل نمو الاقتصاد الباكستاني الأكثر تباطؤاً في البر الرئيسي لجنوب شرق آسيا، نصف المعدل في بنغلاديش وثلث المعدل في الهند. فضلاً عن ذلك فإن الزيادة الحادة في أسعار السلع الأساسية تعني أن الدخل الحقيقي لأدنى 60% من السكان قد انحدر.

ولقد أدى ركود النشاط الاقتصادي إلى زيادة معدل البطالة في المناطق الحضرية إلى ما يقدر بنحو 34% من القوة العاملة، ورغم أن النظام الديمقراطي العامل والإعلام النابض بالحياة ربما وفرا للناس وسائل للتنفيس عن شعورهم بالإحباط إزاء حالة الاقتصاد ونوعية الحكم، فإن النخبة السياسية تدرك الآن أن العديد من مكونات الموقف الباكستاني كانت حاضرة في بلدان الشرق الأوسط حيث وصلت سياسة الشارع إلى نقطة الغليان.

والرسالة هنا واضحة: إن الديمقراطية التي لا تحقق فوائد ملموسة لن تمنع الشعب الباكستاني من المطالبة بالتغيير الجذري، والسؤال الآن هو ما إذا كان أهل الطبقة السياسية يملكون الوسائل والسبل اللازمة للعمل بما يتفق مع تلك الحقيقة.

* شاهد جاويد بركي | Shahid Javed Burki ، وزير المالية الباكستاني ونائب رئيس البنك الدولي سابقا، ورئيس معهد السياسات العامة في لاهور حاليا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة».