الليبرالية العوراء

نشر في 12-12-2010
آخر تحديث 12-12-2010 | 00:01
 إيمان علي البداح سبق أن كتبت في مخاطر الديمقراطية اللا ليبرالية التي يقتصر مفهومها على حكم الشعب، لما في ذلك من خطر التمييز ضد الأقليات، وهيمنة للتخلف الاجتماعي، خصوصا في الدول النامية، لذا كان من اللازم دعم الديمقراطية بالقوانين التي تضمن حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، ولعل في أحداث الأسبوع الماضي خير مثال على خطر «الديمقراطية» بمفهومها الممسوخ، ففي ديوان السعدون ارتأت «الأغلبية» عقاب الجويهل على أسلوبه الاستفزازي وطرحه العنصري بالضرب، وبالفعل قامت الأغلبية بتحقيق إرادتها، فهل هذه هي «الديمقراطية» التي ننشد؟ هل هذا هو النظام السياسي الذي وثقه الدستور؟

لمنع دكتاتورية الأغلبية لا بد من احترام وتقنين حماية الحريات وعلى رأسها حرية التعبير والتجمع والاجتماع بشكل يضمن كرامة كل فرد في المجتمع ويحمي حقوقه الرئيسة، وهذا لا يتحقق إلا بفصل السلطات لتتحقق أعلى درجات الموضوعية والعدالة الاجتماعية، وبالتعليم والممارسة لتتحول النصوص إلى ثقافة وممارسة اجتماعية، ولعل في أحداث الثامن من ديسمبر الدامي خير مثال على تبعات قصور الثقافة وخلط السلطات.

فالتخبط في الموقف الذي وقع فيه الإعلام وأشباه المثقفين من حدثي جويهل والصليبيخات مؤشر مقلق لسطحية الثقافة القانونية والدستورية لدى الكثيرين من المؤثرين في الإعلام والصحافة والرأي العام، وممن قلدوا أنفسهم طليعة المجتمع المثقفة، فببساطة أعلن البعض أن القوات الخاصة كانت تؤدي دورها في «تطبيق القانون» دون تكلف العناء في قراءة القانون الذي يدّعون، ودون أي دراية بالفرق القانوني بين التجمع والاجتماع العام، وما كان رأي المحكمة الدستورية في هذا الشأن، وآخرون لم يروا أي تناقض أو تضارب في السلطات حين يقوم رئيس السلطة التشريعية بدور المراسل بين أطراف الجهاز التنفيذي، بل استخدم ذلك كحجة لموقفه المتخاذل تجاه حريات الآخرين.

الأسوأ في رأيي هو تغلب العاطفة والمصلحة السياسية الآنية على المبدأ، فجاء الموقف من العنف والاعتداء شماتة وانتقاما من الجويهل أو نواب التنمية أو الشعبي أو أي من أطراف النزاع على حساب القانون والدستور وأعمدة الفكر الليبرالي من حيث احترام الإنسان وحقوقه بغض النظر عن وجهة نظره، بل نصّب البعض نفسه قاضيا ليحكم من مكانه من يستحق الضرب ومن يستحق التعبير عن رأيه، أو ليعاقب هذا أو ذاك على مواقفه السياسية أو انتهازيته أو تاريخه الأسود تجاه الحريات وحقوق الإنسان، وهذا لا يمثل انتهازية في الموقف فقط، بل غباء سياسيا شديدا يراهن على حصان يلفظ أنفاسه الأخيرة.

جويهل والطبطبائي وهايف والبراك ومن دار في فلكهم في رأيي انتهازيون كل في مجاله، ومجرمون في حق الدستور وحقوق الإنسان كل بدوره، أتمنى لهم من كل قلبي الفشل في مخططاتهم التأزيمية والعنصرية والمتخلفة، ولكن إن كان في أي من طرحهم اعتداء على حريات الآخرين فالقضاء لا العنف هو ملجؤنا، والليبرالي الحق يدفع حياته في سبيل حقهم في التعبير عن آرائهم كما قال فولتير.

back to top