الغريب في الأمر أن النمل لا يمتلك مقومات بني البشر من عقل مكنه من تبوء عرش الكون لكنه نجح في تنظيم المرور، ونحن مازلنا نتبجح بمشاريع وتصريحات لبعض القيادات أشبه ما تكون بقصص «الخيّال وحمارة القايلة» نسمعها ولا نراها لأن من أمن العقوبة أكثر من الكذب.

Ad

مجتمع النمل فريد في تنظيمه، فهو يعيش في مستعمرات كبيرة وبحالة من التكامل بحيث يعرف الكل دوره ومهامه ومسؤولياته، ولتقريب المعنى سأنقل لكم ما قرأته للباحث Graham Currie الذي أمضى قرابة السنتين في دراسة ظاهرة تنظيم المرور عند النمل، وكيف يستطيع مجتمع النمل تنظيم حركته لتجنب الفوضى أو الهلاك. وقال بعد هذه الأبحاث: إن النمل يتفوق على البشر في تنظيم حركة المرور لديه، وهو يعمل بكفاءة عالية حتى في أثناء الزحام، بل إن النمل يستطيع التحرك في مجموعات كبيرة والتوجه إلى مساكنه خلال لحظات دون حدوث أي حادث أو اصطدام أو خلل.

هذه المقارنة أراها مناسبة لواقع الحال عندنا فالتنظيم المروري من سيئ إلى أسوأ بفضل التخبط في معرفة أبسط قواعد احتياجات النقل الخاص والعام، وكذلك الثقافة المجتمعية تجاه النقل الجماعي وضعفه الشديد بتوفير شبكات النقل التي لا تتعدى الشوارع الرئيسة، وأيضا احتياجنا الدائم للتواصل مع وزارات الخدمات لإنجاز المعاملات عبر النظام الورقي الذي أُلغي من معظم الدول المتقدمة.

إذا كان النمل يحل مشكلاته خلال لحظات ونحن في بلد خطة التنمية لا ندرك مدى أهمية وضع مخطط تنظيمي يتماشى مع النمو السكاني والعمراني أسوة ببعض العواصم التي يفوق عدد سكانها العشرين مليون نسمة، يعيش نصفه خارج حدود المدينة يتنقلون يومياً إلي مقار أعمالهم بكل يسر.

النكتة الأخرى التي يعمل بها النمل هي عقوبة الإعدام للكذابين، بحيث إذا ورد خبر من أي نملة عن وجود مخلفات غذائية تبين لاحقاً كذبها تعطى فرصة واحدة لتبيان حقيقة الأمر، ثم يتم إعدامها بعد ذلك، وهم (النمل) متيقنون بأن كذبها غير متعمد ولم يكن لها دخل فيه، ولكننا بني البشر نكذب في كل شيء ونشوه تاريخ الناس، والحصيلة بطولة مزيفة يصدقها صاحب العقل الرزين.

الغريب في الأمر أن النمل لا يمتلك مقومات بني البشر من عقل مكنه من تبوء عرش الكون لكنه نجح في تنظيم المرور، ونحن مازلنا نتبجح بمشاريع وتصريحات لبعض القيادات أشبه ما تكون بقصص «الخيّال وحمارة القايلة» نسمعها ولا نراها لأن من أمن العقوبة أكثر من الكذب.

كم وزيرا، وكم نائبا، وكم تاجرا، وكم منظّرا، كذب علينا بوعود وردية ذهبت أدراج الرياح، مصيرها مصير خفي حنين تمضي في حال سبيلها؟ والعجيب اشتياقنا لسماعها مرة أخرى لأننا شعب يعشق الكذب والوعود الزائفة... فمتى نتعلم من نملة أحسنت العمل وصدقت القول؟! الإجابة طبعاً لا أعلم.

نقطة أخرى علينا أن نتعلمها من معشر النمل هي حب العمل والإخلاص فيه، فلعمري نملة لا يحاسبها رب العباد تحترم دورها وتؤديه على أحسن صورة، لكن وفاء وزميلاتها يرفضن استلام أي استفسار أو الإجابة عنه لأن الساعة تعدت الثانية عشرة ظهراً بحجة أنهن بدأن العمل صباحاً... فأين أنت يا وفاء وزميلاتك من نملة؟!

أخيراً... وفاء، موظفة سأسرد قصة خاصة بها، وكيف بدا وجهها عند الساعة الثانية عشر ظهراً!

ودمتم سالمين.