تجاوزنا الاستجواب الآن، ولعلي أستطيع أن أقول هذه الكلمات بمعزل عن التأثر أو التأثير بتسارعات ذلك الحدث، واستقطاباته ما بين مؤيد ومعارض.

Ad

إن أسوأ المعارك السياسية هي تلك التي يخرج منها طرفاها وهما يظنان الانتصار، في حين أنه لا انتصار حقيقيا لأحد، وهذا ما كان في استجواب الرئيس، حيث لم ينتصر أحد، ولن أقول إنها كانت هزيمة للطرفين. دعوا عنكم الإنشائيات التي خرج بها الخصمان، بأن الديمقراطية قد قالت كلمتها وأنها بيعة جديدة، أو أنه انتصار بطعم الهزيمة لطرف وهزيمة بطعم النجاح للطرف الآخر، فهذا كله كلام وشعارات فارغة.

النظام يدرك في قرارة نفسه أنه قد نجح «جوازا» في هذا الاستجواب وانتقل إلى استجواب قادم، وأنه فوق هذا قد كان نجاحا باهظا جدا، كلفه الكثير من تشبيك الخيوط وتقديم التنازلات وبذل الأموال، وهو الأمر الذي لا يمكن لعاقل أن يظن أنه قد جعل النظام في موقع أفضل اليوم.

هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى، فالمستجوبون لم يتمكنوا من الإطاحة بحكومة الفساد كما يسمونها، ولا هم الذين كشفوا أوراقاً كانت خافية، ولا هم الذين جاؤوا بجديد أبدا، إذن فالمسألة برمتها انتهت إلى أن تكون مجرد حلقة أخرى في هذا الصراع الممتد، الشبيه بمسلسل مكسيكي ممل طويل!

منذ أيام الاستجواب حتى يوم التصويت، كان المراقبان الخليجي والعربي يتابعاننا، بفضل التقنيات الحديثة، وكانا بين فينة وأخرى يثيران سؤال «وماذا بعد؟»، والذي هو سؤال بدهي لكل من لم تلوثه مجريات حدثنا السياسي اليومي، ولم يصب بالتشبع من متابعته حثيثا ليل نهار في الصحف والقنوات وأحاديث الناس في كل مكان، لكنه سؤال لا يشغل بالنا- نحن الكويتيين- كثيرا، والسبب في ذلك أن مثل هذا السؤال يكون شاغلا للناس ومحرقاً حقا عندما تتعطل معايشهم ودورة حياتهم فعلاً بسبب الصراعات والتجاذبات السياسية، في حين أن كل أطراف الصراع ومؤيديهم عندنا، يعيشون في نعيم مقيم.

نضالنا السياسي نضال مرفه، فبعد كل معركة تسافر الأطراف للسياحة والنقاهة والاستعداد للمعركة القادمة، والمال وفير، بل تتحرك الصفقات والأموال في كل الاتجاهات، بشكل خارج عن منطق الأمور أحيانا، فالانتفاع المالي يكاد لا يستثني أحداً اليوم بغض النظر في أي طرف كانوا، ولا داعي للخوض في مستنقع التفاصيل هنا.

أجزم بأن المراقبين الخليجي والعربي كانا سعيدين بطريقة ما بمتابعة مجريات ما حدث، لأنه شيء غير معهود في عالمهما، ويمثل بالنسبة لهما ضوء أمل لانفتاح ديمقراطي في عالمهما، لكن علاقة هذين المراقبين بهذه الأحداث كانت وستظل دوما كعلاقة المشاهد لما يجري خلف كريستال شاشة التلفاز، ولهذا لا يفترض منهما الكثير، في حين أننا نحن من في داخل الشاشة، ونحن المطالبون حقا بأن ننظر إلى ما حدث وندرسه ونستخرج منه العبرة.

سؤال «وماذا بعد؟» إجابته واضحة، وهي أننا على أعتاب استجواب جديد قريب حتما، حتى دون حاجة لسبب محدد أو محاور استجواب بينة، وأن المواجهات مستمرة، خصوصا أن صيحة ملاعب كرة القدم «لا يوقف، لا يوقف»، قد صارت هي السائدة، وبعدما ركبت الموجة أطراف متعددة، وصارت تنفخ في ما يجري ليشتعل أكثر تلبية لمصالحها، سواء من داخل الأسرة أو خارجها.

وأنا على يقين بأن الساحة ليست متجهة إلى هدوء أو شيء من عقلانية خلال الفترة القادمة، حيث الكل في أرض المعركة، ولا أحد جالس خارجها يفكر ويتبصر فيما يجري، ويحاول أن يصحح مسار الأحداث، وهنا مكمن كل الخطورة!