إيمان كامل وسليمة جبالي... حقيقة امرأتين وروحهما

نشر في 31-05-2011 | 00:00
آخر تحديث 31-05-2011 | 00:00
 محمد بدر الدين «بيت الشعر» فيلم لافت للمخرجة إيمان كامل (59 دقيقة) يستحقّ تأملاً وتناولاً، إذ يمتزج فيه التسجيلي بالروائي، الطابع الواقعي بالشعر، السيرة الذاتية بالاستقصاء والبحث الموضوعي، لمسات الفرشاة السريعة بالإيقاع المتأمل الذي يصل، في بعض اللحظات، إلى التمهّل الشديد.

كتبت المخرجة سيناريو الفيلم مع كلاوس فرويند وأنتجته مع طلال المهنى، ونفذ التصوير أوتي فرويند، أما التمثيل فشاركت فيه: سليمة جبالي وإيمان كامل.

انتقلت المخرجة إلى سيناء لتقابل سليمة البدوية، أولى البدويات اللواتي تعلمن، كما تروي عن نفسها، ما جعلها تختلف عن نظيراتها، بالإضافة إلى عوائق شتى صادفتها في حياتها روت بعض تفاصيلها، حتى على الصعيد العاطفي عانت من قصة حبّ امتدت 18 سنة، تقول: «بعدها كدت أفقد الثقة في كل رجل وعانيت مرارة كبيرة»، مع ذلك تلتقي مَن تتناغم معه فتدرك أن ثمة رجالاً يستحقون الثقة ومبادلتهم المسعى إلى السعادة والتقدّم.

ترتبط المخرجة إيمان مع سليمة بصداقة عميقة وتطلب الأخيرة وزوجها منها أن تصوّرهما خلال مدة صمت قد تطول وتصفها سليمة بنوع من التصوّف، يبدو الزوج في البداية مستغرباً، لكنه لا يلبث أن يعيش «تصوفه» بالفعل في رحاب زوجته.

الحقّ أن إيمان كامل لم تكن مجرّد عين كاميرا نرى من خلالها عالم سيناء الحافل ونموذجاً من بناتها إيجابياً جميلاً رقيقاً بقدر ما هو صلب متمثلاً في سليمة جبالي، إنما رأينا الصداقة بين إيمان وسليمة أيضاً.

كلتاهما «رحالة»، إنما ليس كالبدو الذين يرتحلون موسماً وظرفاً بعد آخر بحثاً عن عيش أفضل لهم. ترحل سليمة إلى القاهرة وغيرها بحثاً عن فهم أعمق ودراية أشمل وسعادة بالحياة يستحقّها الإنسان، وترحل إيمان بالكاميرا ناشدة الحقيقة وروح الجمال والشعر في كل مكان.

تؤسس سليمة لحالها ذات لحظة، عندما تعرف أنها تفعل ذلك على حساب تشييد أسرة: زوج وأولاد، وتتبادل وإيمان الحديث في كل شؤون وخصوصية، لذلك يتميّز العمل بأنه لا يقدّم مخرجة تحاور بطلة في فيلم تسجيلي تقليدي، بل تمتزج خلاله السيرة الذاتية لكلتيهما، من ثم نتقبّل الحوار والأسئلة المتبادلة بينهما ونتفهمهما، ليس كطريقة لإخبارنا، إنما لتقديم حقيقة امرأتين وروحهما، من مكانين وعالمين مختلفين، تكتشفان أن الجوهر الإنساني واحد، وأنهما تلتقيان في الكثير الرحب والجميل العذب، ما يجعل روح الدراما الروائية، تسطع إلى جانب البناء التسجيلي.

عنوان الفيلم ذاته «بيت شَعر» (بفتح الشين) يعني نوعية البيوت في المكان الذي «نبتت» فيه سليمة، يمكن قراءته «بيت شِعر» (بكسر الشين) أيضاً بفضل بناء الفيلم كقصيد شعري، تقطيع المونتاج لكلوديا بوجيك، تقسيم الفيلم إلى فقرات أو لحظات مثل مقاطع القصيدة، استخدام عنصر الصمت بثقله وبلاغته للتعبير والإيحاء والتكثيف.

ربما تزعج لحظات الصمت في مشاهد السينما التقليدية، إلا أنها، في سياق الفيلم، تمتع المتلقي المتذوّق لقصيدة شعرية سينمائية.

وُلدت إيمان كامل عام 1964، وهي تنتج وتبدع بين برلين والقاهرة وتعرض أفلامها، من بينها: «خديجة» (1995)، «نوارة» (1997)، «هولو جرام» (2000)، «ناشيكيت» (2004). إنها تقدّم إضاءة وإضافة خاصة في السينما تستحقّ المتابعة والتأمل والتذوّق الجاد.

back to top