«يا محلى النصر بعون الله»!
بالتأكيد ستنبري إحدى المنظمات الإرهابية، وما أكثرها، لتتبنى هذا الانسحاب الأميركي، غير، المكتمل من العراق، لتعلن أنها هزمت "الإمبريالية الأميركية" ومرغت أنفها في التراب، وأن هناك تجربة فيتنامية جديدة، وهذا بالتأكيد لن يكون بعيداً عن بعض القوى الإقليمية التي احتضنت جرائم الذبح التي تواصلت في هذا البلد، الذي ابتلي منذ عام 1958 بأنظمة أوصلته إلى ما وصل إليه، وروجت لها على أنها مقاومة "شريفة"! هدفها التحرير وطرد القوات الأجنبية الغازية.سنسمع منذ الآن ترويجاً لمعادلة جديدة في هذه المنطقة عنوانها اندحار الولايات المتحدة وحلفائها وانتصار "فسطاط الممانعة والمقاومة"، وسيبني هؤلاء "الممانعون" قصوراً في الرمال، لكنهم من خلف الستارة سيمدون أكفهم مفتوحة لـ"الاستكبار العالي"، وسيسعون إلى عقد صفقات معه يأخذ على أساسها هو حصته ويأخذون هم حصتهم.
سيحصل بعد هذا الانسحاب الأميركي، المجزوء وغير المكتمل، ما حصل بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، الذي أراده أرئيل شارون من طرف واحد ليجري تطبيقه لاحقاً على الضفة الغربية، وكما أن حركة حماس سارعت إلى تبني ما فعله الإسرائيليون، في إطار خطة مدروسة ذات أهداف بعيدة، كذلك فإن أحد هذه التنظيمات العراقية الذي بقي يتكاثر وفقاً لقاعدة الانشطار "البكتيري" سوف يتبنى ما فعله الأميركيون وسوف يهديه على اعتبار أنه نصر مؤزر، لجماعة فسطاط الممانعة والمقاومة "وما أحلى النصر بعون الله"!في يوليو عام 2006 شنَّت إسرائيل حرباً مدمرة على لبنان، بعد أن وفَّر لها "حزب الله" المبرر الذي تنتظره، ومع أن النتيجة كانت كل هذه الخسائر التي لا تزال ماثلة للعيان، إضافة إلى قتل نحو ألف وخمسمئة لبناني وألوف الجرحى وضبط الحدود اللبنانية – الإسرائيلية بأعداد إضافية من القوات الدولية، فإن الذين اعتادوا تحويل الأتراح إلى أفراح والمآتم إلى أعراس بادروا إلى رفع رايات تحقيق انتصار إلهي تاريخي، وها هم باسم هذا الانتصار الإلهي يقومون بما يقومون به ويفرضون أنفسهم بقوة السلاح على المعادلة اللبنانية المصابة بالاهتزاز... والأسباب هنا كثيرة.ستحاول إيران ومعها تحالف "الممانعين"، الذي يضمها أيضاً، فرض معادلة جديدة على العراق بحجة أن هذا الانسحاب الأميركي هو هزيمة "فيتنامية" أخرى، وستحاول دول إقليمية مدَّ يدها أكثر وأكثر في اتجاه الساحة العراقية، لكن على هؤلاء جميعاً أن يدركوا أن الأميركيين لم يأتوا إلى المنطقة في نزهة قصيرة، وأنهم باقون ما دام أن لهم مصالح حيوية في هذه المنطقة، وأن خروجهم المجزوء من بلاد الرافدين قد خلَّف وراءه قواعد ستكون فعاليتها أضعاف فعالية القوات المنسحبة... في كل الأحوال إنه على هؤلاء أن يتذكروا أن صدام حسين قد هتف ذات لحظة مريضة: "يا محلى النصر بعون الله"، وكانت النتائج كل هذه الكوارث التي حلت بالعراقيين وبلادهم والتي شملت المنطقة كلها!