مجلس سني شيعي للسفهاء!
المبادرة التي أطلقها السفير جمال النصافي بإنشاء مجلس سني شيعي يضم العقلاء من الطرفين لدرء الفتن الطائفية في البلاد تستحق الإشادة والدعم بلا حدود، ومثل هذه الفكرة يفترض أن تكون في أعلى سلم الأولويات الحكومية ليس الآن إنما منذ مطلع الثمانينيات عندما توقدت نار الطائفية في الكويت، وإن خفت لظروف الغزو العراقي، وما لبثت أن عادت بقوة وبلغت مراحل الخطورة القصوى.ولكن ومع الأسف الشديد فإن حكوماتنا المتعاقبة منذ الحل غير الدستوري الأول في منتصف السبعينيات ومروراً بالانقلاب الثاني على الدستور في منتصف الثمانينيات حتى اليوم كانت ولاتزال إما ترعى الانقسامات الطائفية والطبقية والمناطقية وإما تغض الطرف عنها للتحكم بخيوط اللعبة السياسية والدخول في تحالفات تكتيكية مع طرف على حساب أطراف أخرى.
ولعل مبادرة السفير النصافي، وإن لم تكن الأولى من نوعها حيث سبقتها محاولات ومساع كان مآلها الفشل والنكران الحكومي، إلا أنها جاءت في توقيت مهم وفي ظروف لا تحتمل المزيد من المجاملات أو التكتيكات أو المناورات السياسية، فالطائفية قد تغلغلت بشكل كبير في أوساط القطاعات الشعبية بسبب صراعات بعض الكبار من السياسيين وأصحاب الآراء الضيقة والعقول المريضة، وبالتالي أصبح من الضروري رعاية وتبني مبادرة النصافي، وهو بالمناسبة من أنشط الشباب الدبلوماسي الكويتي وخبرته في شؤون حل النزاعات وفكره الوطني المرهف كلها عوامل نجاح ومصداقية لهذه المبادرة وترجمتها بشكل عملي ومؤسسي. ولكن يبقى السؤال الأهم هل بمثل هذه المبادرات تقتلع الفتن المذهبية وهل يجدي إنشاء مجلس للعقلاء في إخماد نار الطائفية؟ والجواب بالتأكيد في رأيي بالنفي، لأن العقلاء هم المساكين دائماً في مثل هذه الحالات وهم المطالبون بإطفاء الحرائق والتهدئة والتوسط وتحمل المسؤولية، وهذا بالتأكيد قدرهم والدور المنوط بهم يجب القيام به.إن مشكلتنا الحقيقية ليست بالعقلاء إنما بالسفهاء والدخلاء والحقراء الذين نراهم وراء كل مصيبة، وبصماتهم واضحة على مسرح كل جريمة طائفية، وهم من يتلقفون أبسط المشاكل والعثرات لينفخوا فيها ويسبكوا الزيت على نارها إما شغفاً بالنجومية والبطولة والتسلق على مشاعر الناس وعواطفهم وسجيتهم البسيطة، وإما بسبب العقول المتحجرة التي لا يرون من خلالها حريات الآخرين، خصوصا في معتقداتهم وآرائهم وحقوقهم في المواطنة وشراكتهم المجتمعية الوطنية.وإذا ما كتبت لمبادرة النصافي النجاح، وهذا ما ندعو ونأمل أن يتحقق، فيجب أن يتحلى مثل هذا المجلس بمعايير في مقدمتها إلغاء المجاملات ومراعاة الخواطر وعدم التردد بالإشارة إلى كل من تسول له نفسه بالتطاول أو تحقير أو تسفيه آراء الآخرين ناهيك عن تكفيرهم أو إخراجهم من الملة مهما كانت درجة قدسيته أو مكانته الاجتماعية أو عائلته أو طائفته، وثانياً يجب أن تكون مسطرة الرقابة والردع واحدة على الطرفين، ويمكن أن تصل درجة الردع إلى عدم تمكين أصحاب الفكر الطائفي من مراكز القرار كنوع من أنواع تجفيف منابع الفكر المتطرف والإرهابي، وثالثاً وأخيراً تجب مراجعة كل بؤر الفتن ومن يقف وراءها سواء في وزارات الدولة وأجهزتها ومناهجها الفكرية والتربوية والإعلامية وتهذيبها وفق روح التعددية والتسامح، وبدون مثل هذه المقومات وغيرها يمكن القول بالتأكيد "لا طبنا ولا غدا الشر" واسرحي وامرحي يا طائفية بقيادة السفهاء!