أتصور أن توسيع المجال الحيوي لدول الخليج يتيح للخليجيين دوراً أكبر في خدمة القضايا العربية، ومن هذا المنطلق أرى فيه خطوة استراتيجية بعيدة وتحركاً خليجياً فاعلاً بعد طول جمود وسكون وترقب كان الخليجيون يؤثرون فيه ما سماه عبدالله بشارة أول أمين للمجلس «سياسة الأدب الجم» وعدم التحرك الإيجابي لإطفاء بؤر التوتر في المنطقة.

Ad

يأتي ترحيب قادة الخليج بانضمام الأردن والمغرب إلى المنظومة الخليجية حدثاً مفاجئاً للجميع، إذ أعلن قادة التعاون في ختام لقائهم التشاوري الثالث عشر بالرياض الترحيب بطلب الأردن الانضمام إلى دول المجلس، كما رحبوا بدعوة المغرب إلى الانضمام، وكلفوا المجلس الوزاري استكمال الإجراءات اللازمة لضمهما كـ»عضوين دائمين».

في المقابل رحب الأردن والمغرب بالقرار الخليجي، وقال مجلس النواب الأردني: «إن الأردن يرى في دول الخليج عمقاً استراتيجياً ليس للأردن فحسب بل للأمة العربية»، مؤكداً أن الأردن يشترك مع أشقائه الخليجيين في قواسم مشتركة كثيرة، ورأى في هذا الانضمام تعزيزاً للتكامل الاقتصادي العربي، ويضيف بعض المراقبين أن الأردن يعد امتداداً جغرافياً وطبيعياً وتاريخياً لدول التعاون، فضلاً عن أن المجتمع الأردني يشترك مع مجتمعات الخليج في اعتناق الدين الإسلامي- المذهب السنّي- إلى جانب التركيبة الأسرية والاجتماعية والقبلية صص وكذلك في العادات والتقاليد.

أما المغرب فقد رحب بالانضمام وأبدى الاستعداد لمشاورات فورية لوضع إطار للتعاون مع المجلس، مؤكداً أيضاً تمسكه بالاتحاد المغربي كخيار استراتيجي، ومن جانبه تلا الأمين العام د. عبداللطيف الزياني بياناً حرص في ديباجته تضمينها مبررات انضمام العضوين الجديدين، ومنها: 1- انطلاقاً من وشائج القربى والمصير المشترك ووحدة الهدف. 2- وتوطيداً للروابط والعلاقات الوثيقة القائمة بين شعوب ودول مجلس التعاون والأردن والمغرب. 3- وإدراكاً لما يربط بين دول المجلس والأردن والمغرب من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية. 4- واقتناعاً بأن التنسيق والتعاون والتكامل لا يخدم شعوبها فحسب بل يخدم الأهداف السامية والأمة العربية جمعاء. 5- وتماشياً مع النظام الأساسي للمجلس وميثاق الجامعة العربية اللذين يدعوان إلى تحقيق تقارب أوثق وروابط أقوى. 6- وتوجيهاً للجهود إلى ما فيه دعم وخدمة القضايا العربية والإسلامية. 7- واستجابة لطلب الأردن وتفاهماً مع المغرب.

وإذ رحب القادة بانضمام الأردن والمغرب، فإنهم أعربوا عن بالغ قلقهم لاستمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول المجلس من خلال «التآمر» على أمنها الوطني وبث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها في انتهاك لسيادتها واستقلالها ولمبادئ حسن الجوار والأعراف والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، مؤكدين دعمهم الكامل للبحرين انطلاقاً من أن مسؤولية المحافظة على الأمن والاستقرار في دول المجلس «مسؤولية جماعية» بناءً على مبدأ «الأمن الجماعي»، وأن أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، ومن هذا المنطلق جاء دخول قوات درع الجزيرة للبحرين التزاماً بالاتفاقيات الأمنية والدفاعية المشتركة، يأتي هذا الحدث الكبير كأمر مفاجئ لم يتوقعه أحد من المراقبين لا على الساحة الخليجية ولا العربية، مما يشير إلى القدرة السياسية الخليجية على مهارة التكتم وحسن المناورة. وأتصور أنه سيكون الحدث الإعلامي الحاكم للساحة الخليجية والعربية على مدى الأيام المقبلة، حيث سينشغل الجميع بتداعياته والجدل الصاخب حوله عبر المنابر والصحف والمواقع الإلكترونية بين الرافضين والمؤيدين، ومن هنا فإن مهمة الأمانة العامة للمجلس ستكون كبيرة في الرد على التساؤلات الكثيرة حول مبررات وجدوى ضم العضوين الجديدين.

من ناحية أخرى، فنحن نعلم منذ قيام المجلس في قمة أبوظبي 1981 وعلى امتداد 30 عاماً هو عمر المجلس، وبحسب النظام الأساسي، فإن العضوية مغلقة على أعضائها الستة، فما هي العوامل المحفزة لقبول توسيع مظلة التعاون في هذا الوقت بالذات؟! هناك من يربط هذا الحدث بتصاعد التدخلات الإيرانية وبالتحولات السريعة والمتلاحقة في الساحة العربية، مما يدفع إلى تعزيز منظومة التعاون في مواجهة الأخطار المحيطة، بينما يذهب آخرون إلى أن دول المجلس- في ظل ضعف دور الجامعة العربية وانشغال الدول العربية الكبرى: مصر وسورية والعراق بأوضاعها الداخلية، والزلازل التي تهز استقرار وأمن ليبيا واليمن وسورية- تجد نفسها مسؤولة عربياً وقومياً بالقيام بدور إقليمي فاعل لملء الفراغ العربي بمبادرات وتحركات تحمي وتقي وتخدم المصالح العربية العليا في هذه المرحلة العصيبة، وهي لن تجد عوناً ودعماً وقوة لها خيراً من الأردن والمغرب باعتبارهما عمقين عربيين مستقرين.

يؤكد هذا التفسير أن المنظومة الخليجية اضطلعت أخيراً بدور بارز في البحرين عبر قوات «درع الجزيرة» وبالمساهمة في مراقبة الحظر الجوي في ليبيا والتأييد السياسي والمالي القوي لثوار ليبيا وبالمبادرة الخليجية في اليمن، وترى دول الخليج أنها مؤهلة لهذا الدور وعندها من الإمكانات الاقتصادية والسياسية وعلاقات التحالف الدولية القوية ما يمكنها من القيام بأداء واجباتها القومية تجاه أمتها، ولاشك في أن توسيع المظلة الخليجية لتشمل الأردن والمغرب يحقق لها توازناً عسكرياً وأمنياً وثقلاً إقليمياً يمكنها من لعب دور إيجابي أكبر في الساحة العربية. وبطبيعة الحال، فإن دول «التعاون» حريصة على عدم تفسير إقدامها على فتح العضوية بأنه موجه ضد أحد من القوى الإقليمية كإيران وتركيا، ولكن ترى أن من حقها أن يكون لها دور إقليمي يتناسب ووزنها في عالم يتداخل بعضه في بعض ويموج بالمتغيرات العاصفة، هناك تفسير ثالث يرى في الخطوة الجديدة محوراً جديداً بديلاً لمحور الرياض- عمّان- القاهرة لمواجهة الدور الإيراني، خصوصاً بعد الغزل المصري الإيراني وتقاربهما، لكنه لا يفسر أن رئيس وزراء مصر عبر جولته الخليجية حرص على تأكيد أن أمن وعروبة الخليج خط أحمر، وأن انفتاحه على إيران لا يخل بالتزاماته القومية تجاه الخليج باعتباره عمقاً استراتيجياً وأمنياً لمصر.

أتصور أن توسيع المجال الحيوي لدول الخليج يتيح للخليجيين دوراً أكبر في خدمة القضايا العربية، ومن هذا المنطلق أرى فيه خطوة استراتيجية بعيدة وتحركاً خليجياً فاعلاً بعد طول جمود وسكون وترقب كان الخليجيون يؤثرون فيه ما سماه عبدالله بشارة أول أمين للمجلس «سياسة الأدب الجم» وعدم التحرك الإيجابي لإطفاء بؤر التوتر في المنطقة.

وهناك تفسير رابع يرى في الحدث نوعاً من «تحالف ملكيات» في مواجهة ثورات اليوم، ولكن هؤلاء لا يفسرون: لماذا إذن التدخل الخليجي النشيط في ليبيا والوساطة الخليجية في اليمن التي تصب في النهاية في مصلحة الثوار، ما أشبه اليوم بالبارحة حين نستحضر ظروف نشأة مجلس التعاون قبل 30 عاماً إذ استشعر القادة المؤسسون حجم المخاطر المحدقة بالخليج خلال حرب الخليج الأولى فكانت إرادتهم الإجماعية ضرورة تأسيس كيان خليجي يكون عاصماً للخليجيين في مواجهة الرياح الهوجاء الخطيرة، فعصموا الكيان الخليجي وقادوا سفينة «التعاون» في بحر لجي متلاطم إلى بر الأمان، واليوم تحيط بالخليج أطماع ومخاطر ومتغيرات عاصفة استدعت أن يتخذ قادة الخليج مثل هذه الخطوة الاستراتيجية البعيدة، وفي كل الأحوال يبرز تساؤل: هل سيبقى اسم «مجلس التعاون الخليجي» بعد انضمام العضوين الجديدين على نفس تسميته أم سيتغير إلى «مجلس التعاون العربي»؟

* كاتب قطري

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة