القانون الذي أقرّ أيام الرئيس الباكستاني ضياء الحق والذي يحاكم بعقوبة الموت كل من يهين الإسلام، استخدم بشكل سيئ ليحكم بالموت على كل من يفلت لسانه بالإساءة إلى الإسلام وعلى كل مفكر يستخدم عقله في نقض بعض الظواهر التي لا تمت للإسلام بصلة. وكانت معركة نسائية بين نساء مسلمات وأخرى مسيحية تبادلن فيها الاتهامات لتصل الإساءة الى الأديان والرسل وتم الحكم بالموت على السيدة المسيحية بتهمة سبها للرسول الكريم عليه السلام وكانت شهادة الخصوم كافية لإنزال العقوبة.

Ad

تحركت بعض الشخصيات القانونية والبرلمانية في محاولة لسحب القانون والعودة به الى البرلمان لمناقشته وترأس الحملة حاكم إقليم البنجاب السيد سلمان تاسير. كان السيد تاسير يتوقع الترحيب وتفهم حملته التي تضع القانون بين أيدي مشرعي القانون وألا يترك لمزاج الشارع ولم يتوقع أن تكون نهايته على يد رجل يحمل السلاح ويسير خلفه ليحميه. أطلق السيد مالك قادري والحارس الشخصي للسيد تاسير تسع رصاصات في وضح النهار وفي أحد الأسواق الشهيرة ليرفع يديه مستسلما للشرطة ومصرحا بأنه خادم للدين وقتل رجلا كافرا.

والحال لدينا ليس بأفضل منه في باكستان، فالذين يرون في احتراف القتل والتفجير والاعتداء على مقدسات الآخرين بأنهم يخدمون الدين هم أكثر من همومنا في هذا العصر البائس. واذا كان السيد تاسير قتل لأنه عارض قانونا لم يقره البرلمان وهو رجل مسلم فلا غرابة ان يرى المسلم الجديد في قتل المسيحيين وتفجير كنائسهم أقصر الطرق الى الجنة. فمحاولات الاعتداء على الكنائس ودور العبادة في العراق ومصر وربما تمتد الى مناطق أخرى تحتاج الى وقفة المثقف ورجل السياسة لإعادة مفاهيم المواطنة وشريعة القانون. الأوطان ليست ملكا حصريا لفئة أو طائفة واعمارها والتعايش سلميا فيها لا يعني اضطهاد الأقلية من قبل الأكثرية. ولو كان هؤلاء يملكون عقلا بسيطا أو بعض عقل لأدركوا أن معاملة الآخرين بالمثل ستنهي الحركة الاسلامية التي تنتشر في الغرب وربما لأضطر المسلم الغربي الى التخلي عن دينه في سبيل انقاذ حياته.

ربما ترى الأغلبية أن ما يحدث من تفجير لكنائس المسيحيين والقتل على الهوية هو مخطط اسرائيلي أو غربي لنشر الفتنة بين مواطني البلد الواحد ولهذا بدأت المقال بحكاية السيد سلمان تاسير. القضية أكبر من ذلك. انها قضية تنشئة وتثقيف الأجيال المسلمة وزرع مفاهيم غيبية في عقولهم وانسلاخ تام عن مفهوم جوهر الدين، انها قضية انعزال المثقف وخروجه من دائرة التأثير الى التأثر، قضية هجرته اما تجاه ذاته أو تجاه حريته بعيدا عن وطنه. قضية انتشار هذا الكم من الفضائيات السطحية بما فيها الدينية التي أكلت ما تبقى من العقول المتآكلة. قضية صبية الفتاوى ومدعي الفقه والتفقه. قضية نبذ الآخر المختلف عقائديا وطائفيا.

حين سألوا أحد نقاد السينما عن أسباب اختلاف اللغة بين أفلام عقود الخمسينيات والستينيات والعقود الحالية قال إن لغة أولئك الناس كانت تستمد من شارلز ديكينز ومارك توين، اما اليوم فإنها تستمد من الشوارع لتسيطر على الناشئة. ولو طبقنا ذلك، قياسا، على الكثير من مفاهيمنا الدينية واللغوية والسياسية أيضا لأدركنا أننا في حاجة إلى عناق أيامنا الخوالي الجميلة. أيام تسامحنا الديني والطائفي والسياسي أما اللغة الراقية فالحديث فيها محزن لدرجة البكاء.

بقي سؤال أخير يشغلني منذ انشغال الناس بالأزمة الأخيرة في الكويت وصراع المجلس والحكومة الذي عصف بالبلاد: هل كان للمثقف الكويتي، مفكرا أو أديبا، رأي أو صوت؟ اذا سمعتم منهم شيئا فالرجاء ارساله الى ايميلي أعلى الصفحة.