الجرذان تدفع الفاتورة
سيصبح أول طاغية سقط في أول ثورة عربية بعد الذي يليه ملاك رحمة، فعلي زين العابدين أمام القذافي ليس سوى «جنتلمان»، بأخطاء صغيرة، بل لقد نسينا ربطات الدولارات التي ظهرت علينا من خلف ديكور مكتبة منزل زين العابدين وحلي ليلى الطرابلسي، كما سننسى ثروة مبارك التي لم تعد تذكر بعد قصص العقيد القذافي وأبنائه.
أبشع من حقائق حجم ثروات الطغاة، وطرق جمعها هو طرق صرفها، فجريدة «ذا ميل أون صنداي البريطانية» نشرت صوراً وتفاصيل عن علاقة غرامية بين راقصة وابن العقيد «الساعدي» الذي كان يحرص على أن يناديه من حوله بالمهندس... المشكلة أنهم يصرون على ألقاب «تكنوقراط القرن الحادي والعشرين»، ويتصرفون كأباطرة عتاة من القرن السابع عشر. دعا الساعدي الراقصة البلغارية بعد انتهائها من أداء وصلة رقص في ملهى ليلي في باريس عام 2004 إلى الجلوس معه على طاولته مقابل ألف جنيه إسترليني في الساعة، ثم عرض عليها أن يأخذها في طائرته الخاصة إلى «عالم ديزني»، وخلال علاقة طويلة معها، أنفق عليها كثيراً من المال والهدايا، وعرض عليها مرة تعاطي الكوكايين في غرفة خاصة في الفندق، وأخذها في رحلة «سفاري» إلى تنزانيا ثم عرض عليها الزواج لاحقا. تقول الراقصة إنه صرف ١٧٠ مليون جنيه إسترليني على طائراته الخاصة وإقامته وسياراته والمجوهرات والثياب، ولا أدري إن كانت صادقة أم لا، لكنها تقول إنها طلبت منه أن يطلق سراح الممرضتين البلغاريتين في ذلك الوقت، ووعدها خيراً، وكلم أخاه سيف الإسلام بهذا الشأن «فيها خير لأهلها». بالنسبة إلي ليس مهماً كل ما قالته البلغارية، وكل ما همني هو جملة واحدة قالتها هذه الراقصة، وهي «أن الساعدي لم يكن ينظر إلى ثمن الأشياء، فهو لا يهمه الأمر، فقد كان هناك دائما شخص آخر يدفع الفاتورة». هل تعرفون من الذي كان دائما يدفع الفاتورة، إنهم الجرذان «متعاطي حبوب الهلوسة» من الشعب الليبي الذين توعدهم سيف الإسلام أن يضربهم بـ«الجزمة»، وقال عن كل من دافع عنهم «طز» حتى تجاوز عدد «الطزات» الليبية الرقم المسموح به دولياً. هل يجب علينا أن نمسح كلمة «طز» ونضع نقاطاً من باب الأدب والذوق كما فعلت الصحيفة التي نشرت اللقاء مع سيف الإسلام؟ لكن ماذا سنفعل بواقع «الطز» الكبير الذي عاشه شعب ليبيا على مرأى ومشهد من العالم المهذب؟... يبدو أن كلمة «طز» هي الكلمة الوحيدة التي سمعها الشعب العربي من حكامه طويلا، رغم أن والدتي حذرتنا ونحن صغار أن الكلمات السيئة كاللعنات تعود على أصحابها، «سامع يا معمر؟».